جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ١٦٩
أبو القاسم عبيد الله بن عمر المعروف بالشافعي قال حدثني جماعة منهم الحسن بن حبيب الدمشقي عن الريبع بن سليمان قال سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول من حفظ القرآن عظمت قيمته ومن طلب الفقه نبل قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في النحو رق طبعه ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم وأخبرناه أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد قال سمعت أبا القاسم عبيد الله بن عمر الشافعي يقول قال الشافعي رحمه الله من حفظ القرآن عظمت حرمته ثم ذكر مثله سواء إلى آخره ويلزم صاحب الحديث أن يعرف الصحابة المؤدين للدين عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ويعني بسيرهم وفضائلهم ويعرف أحوال الناقلين عنهم وأيامهم وأخبارهم حتى يقف على العدول منهم من غير العدول وهو أمر قريب كله على من اجتهد فمن اقتصر على علم إمام واحد وحفظ ما كان عنده من السنن ووقف على غرضه ومقصده في الفتوى حصل على نصيب من العلم وافر وحظ منه حسن صالح فمن قنع بهذا اكتفى والكفاية غير الغنى والاختيار له أن يجعل أمامه في ذلك إمام أهل المدينة دار الهجرة ومعدن السنة ومن طلب الإمام في الدين وأحب أن يسلك سبيل الذين جاز لهم الفتيا نظر في أقاويل الصحابة والتابعين والأئمة في الفقه إن قدر على ذلك نأمره بذلك كما أمرناه بالنظر في أقاويلهم في تفسير القرآن فمن أحب الاقتصار على أقاويل علماء الحجاز اكتفى واهتدى إن شاء الله و إن أحب الأشراف عليه مذاهب الفقهاء متقدميهم ومتأخريهم بالحجاز والعراق وأحب الوقوف على ما أخذوا وتركوا من السنن وما اختلفوا في تثبيته وتأويله من الكتاب والسنة كان ذلك له مباحا ووجها محمودا إن فهم وضبط ما علم أو سلم من التخليط نال درجة رفيعة ووصل إلى جسيم من العلم واتسع ونبل إذا فهم ما أطلع وبهذا يحصل الرسوغ لمن فقهه الله وصبر على هذا الشأن واستحلى مرارته واحتمل ضيق المعيشة فيه وأعلم رحمك الله أن طلب العلم في زماننا هذا وفي بلدنا قد حال أهله عن طريق سلفهم وسلكوا في ذلك ما لم يعرفه أئمتهم وابتدعوا في ذلك ما بان به جهلهم وتقصيرهم عن مراتب العلماء قبلهم فطائفة منهم تروي الحديث وتسمعه قد رضيت بالدؤوب في جمع مالا تفهم وقنعت بالجهل في حمل مالا تعلم فجمعوا الغث والثمين والصحيح والسقيم والحق والكذب في كتاب واحد وربما في
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»