كله عندهم بعلمه لأن يقينه في ذلك أكثر من شهادة الشهود الذين لا يقطع على غيب ما شهدوا به كما يقطع على صحة ما علموا وقال أبو حنيفة ما علمه قبل أن يلي القضاء أو رآه في غير مصره لم يقض فيه بعلمه وما علمه بعد أن (289) استقضى أو رآه بمصره قضى في ذلك بعلمه ولم يحتج في ذلك إلى غيره واتفق أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يقضي القاضي بعلمه في شيء من الحدود لا فيما علمه قبل ولا بعد ولا فيما رآه بمصره ولا بغير مصره وقال الشافعي وأبو ثور حقوق الناس وحقوق الله سواء في ذلك والحدود وغيرها سواء في ذلك وجائز أن يقضي القاضي في ذلك كله بما علمه وقال مالك وأصحابه لا يقضي القاضي في شيء من ذلك كله بما علمه حدا كان أو غير حد لا قبل ولايته ولا بعدها ولا يقضي إلا بالبينات والإقرار وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد وهو قول شريح والشعبي وفي قوله عليه السلام فأقضي له على نحو ما أسمع منه دليل على إبطال القضاء بالظن والاستحسان وإيجاب القضاء بالظاهر ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في المتلاعنين بظاهر أمرهما وما ادعاه كل واحد منهما ونفاه فأحلفهما بأيمان اللعان ولم يلتفت إلى غير ذلك بل قال إن جاءت به على كذا وكذا فهو للزوج وإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به فجاءت به على النعت المكروه فلم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بل أمضى حكم الله فيهما بعد أن سمع منهما ولم يعرج على الممكن ولا أوجب بالشبهة حكما فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنما أقضي على نحو ما أسمع
(٢١٩)