التمهيد - ابن عبد البر - ج ٢٢ - الصفحة ٢١٨
واحتج بعضهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة زوجة أن تحتجب من ابن وليدة زمعة لما علمه ورآه من شبهه بعتبة وقالوا إنما يقضي بما يسمع فيما طريقه السمع من الإقرار أو البينة وفيما طريقه علمه (288) قضى بعلمه ولهم في هذا الباب منازعات أكثرها تشغيب والسلف من الصحابة والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه على حسب اختلاف فقهاء الأمصار في ذلك ومما احتج به من ذهب إلى أن القاضي يقضي بعلمه مع ما قدمنا ذكره ما رويناه من طرق عن عروة عن مجاهد جميعا بمعنى واحد أن رجلا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان بن حرب أنه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا من مكة فقال عمر إني لأعلم الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان فإذا قدمت مكة فائتني بأبي سفيان فلما قدم مكة أتاه المخزومي بأبي سفيان فقال له عمر يا أبا سفيان أنهض إلى موضع كذا فنهض ونظر عمر فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من ههنا فضعه ههنا فقال والله لا أفعل فقال والله لتفعلن فقال لا أفعل فعلاه عمر بالدرة وقال خذه لا أم لك وضعه ههنا فإنك ما علمت قديم الظلم فأخذ الحجر أبو سفيان ووضعه حيث قال عمر ثم إن عمر استقبل القبلة فقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام قال فاستقبل أبو سفيان القبلة وقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما ذللت به لعمر ففي هذا الخبر قضى عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته وإلى هذا ذهب أبو يوسف ومحمد والشافعي وأبو ثور سواء عندهم علمه قبل أن يلي القضاء أو بعد ذلك في مصره كان أو في غير مصره له أن يقضي في ذلك
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»