الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٥ - الصفحة ٨٩
وفي قوله هذا الحديث ((إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه)) دليل على أنه غلول حرام قال الله عز وجل * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) *) [آل عمران 61] وأما حديث عياض بن حمار المجاشعي قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو قال هدية قال أسلمت قلت لا قال ((فإني نهيت عن زبد المشركين)) (1) وظاهره خلاف ما في هذا الحديث من قوله فيه ((فأهدى رفاعة بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم)) لأن رفاعة كان يومئذ على كفره ولم يذكر في شيء من طرق هذا الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد الغلام عليه وقد قبل صلى الله عليه وسلم هدية أكيدر دومة وهدية فروة بن نفاثة الجذامي وهدية المقوقس أمير مصر والإسكندرية وغيرهم وهم في ذلك الوقت كفار واختلف العلماء في معنى حديث عياض بن حمار المذكور فقال منهم قائلون ذلك نسخ لما كان علية من هدايا الكفار وذكروا حديث عامر بن مالك ملاعب الأسنة قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بهدية فقال ((إنا لا نقبل هدية كل مشرك)) وقد ذكرت إسناده في ((التمهيد)) وقالوا هذا نسخ لما تقدم من قبوله صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار وقال آخرون ليس في هذين الخبرين نسخ من ذلك وإنما المعنى أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده أو دخوله في الإسلام لأن قبول هديته داعية إلى تركه على حاله وإقراره على دينه وترك لما أمر به من قتاله وهو قد أمر أن يقاتل المشركين حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال آخرون بل كان صلى الله عليه وسلم مخيرا في قبول هدية الكفار وترك قبولها لأنه كان من خلقه عليه السلام أن يثيب على الهدية بأحسن منها وأفضل فلذلك لم يقبل هدية كل مشرك وكان يجتهد في ذلك وكان الله يوفقه في كل ما يصنعه وقد ذكرنا في ((التمهيد)) حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقد قيل إنه إنما ترك قبول هدية عياض وملاعب الأسنة ومثلهما ونهى عن زبد المشركين وهو رفدهم وعطاياهم وهديتهم لما في التهادي والرفد من إيجاب
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»