الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٥ - الصفحة ٢٨٨
حديث أبي هريرة وحديث أبي ثعلبة يدل على أن مذهبه في النهي عن أكل كل ذي ناب [من السباع] أنه نهي تحريم لا نهي ندب وإرشاد كما زعم أكثر أصحابنا ويشذ ذلك قوله وعلى ذلك الأمر عندنا روى هذا يحيى عن مالك وهو آخر من سمع عليه ((الموطأ)) ويشهد له أيضا ما رواه أشهب عن مالك أنه لا تعمل الذكاة في السباع لا للحومها ولا لجلودها كما [قال] لا تعمل في الخنزير وإلى هذا ذهب أشهب وهو الذي يشهد له لفظ حديث أبي هريرة هذا وما ترجم عليه مالك هذا الباب وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه وطرأ على ملكك [أو على ما ليس في ملكك فما كان منه واردا على ملكك فهو يمين آداب وإرشاد واختيار وما طرأ على ملكك] فهو على التحريم وعلى هذا ورد النهي في القرآن والسنة لا لمن اعتبرهما ألا ترى إلى نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اجتناب الأسقية والأكل من رأس الصحفة والمشي في نعل واحد وأن يقرن بين تمرتين من أكل مع غيره والاستنجاء باليمين دون الشمال والأكل بالشمال دون اليمين والتيامن في لباس النعال وفي الشراب وغير ذلك مما يطول ذكره فهذا كله وما كان مثله [نهي] أدب وإرشاد لأنه طرأ على ما في ملك الإنسان فمن واقع شيئا من ذلك لم يحرم عليه فعله ولا شيء من طعامه ولا لباسه وأما نهيه عن الشغار ونكاح المحرم ونكاح المرأة على عمتها وخالتها وعن قليل ما أسكر كثيره وعن بيع حبل حبلة وما أشبه ذلك من البيوع الفاسدة فهذا كله طرأ على شيء محظور استباحته إلا على سنته فمن لم يستبحه على سنته حرم ذلك عليه لأنه لم يكن قبل في ملكه فإن قيل إن الله تعالى قد نهى عن وطء الحائض ومن وطئها لم تحرم بذلك عليه امرأته ولا سريته قيل له لو تدبرت هذا لعلمت أنه من الباب الوارد على ما في ملك الإنسان مطلقا لأن عصمة النكاح وملك اليمين في معنى الوطء من العبادات التي أصلها
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»