الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٣ - الصفحة ٣٨٥
وأجمعوا أن سنة الاعتكاف المندوب إليها شهر رمضان كله أو بعضه وأنه جائز في السنة كلها إلا ما ذكرنا وأجمعوا أن الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد لقوله تعالى * (وأنتم عاكفون في المساجد) * في الآية المذكورة [يعني في البقرة 187] فذهب قوم إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد وإن كان لفظه العموم فقالوا لا اعتكاف إلا في مسجد نبي كالكعبة أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو بيت المقدس لا غير وروي هذا القول عن حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب ومن حجتهما أن الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في مسجده وكان القصد والإشارة إلى نوع ذلك المسجد مما بناه نبي وقال آخرون لا اعتكاف إلا في مسجد تجمع فيه الجمعة لأن الإشارة في الآيات عندهم إلى ذلك الجنس من المساجد روي هذا القول عن علي بن أبي طالب وبن مسعود وبه قال عروة بن الزبير والحكم بن عيينة وحماد والزهري وأبو جعفر محمد بن علي وهو أحد قولي مالك وقال آخرون الاعتكاف في كل مسجد جائز روي عن سعيد بن جبير وأبي قلابة وإبراهيم النخعي وهمام بن الحارث وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي الأحوص والشعبي وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والثوري وهو أحد قولي مالك وبه يقول بن علية وداود والطبري وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد 650 - وقال مالك في الموطأ [أنه سأل بن شهاب عن الرجل يعتكف هل يدخل لحاجته تحت سقف فقال نعم لا بأس بذلك قال مالك] الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها وإلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها فإن كان
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»