الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٥٢٤
والكلام في هذا يتسع جدا والآثار فيه كثيرة وربما كان في ظواهر أكثرها تعارض وعلى هذا التخريج تتقارب معانيها وقد أوضحنا هذا المعنى في الفقر والغنى بالآثار المرفوعة وبما روي فيه عن علماء السلف في تفضيل الغنى وحمد الفقر في كتاب بيان العلم ما فيه كفاية لمن تدبره وليس في قول الله تعالى ذكره حاكيا عن موسى صلى الله عليه وسلم * (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) * [القصص 24] تفضيل الغنى على الفقر لأن جميع خلقه يفتقرون إلى رحمته ولا غنى لهم عن رزقه فمن أعطاه الله الكفاية فقد تمت له منه العناية ومن أتاه الله من رزقه سعة فواجب شكره عليه وحمده كما يجب الصبر على من امتحن بالقلة والفقر لأن الفرائض وحقوق المال ونوافل الخير تتوجه إلى ذي الغنى ومؤنة ذلك ساقطة عن الفقير والقيام بها فضل عظيم والصبر على الفقر والرضا به ثواب جسيم قال الله (عز وجل) * إنما يوفى الصبرون أجرهم بغير حساب " [الزمر 10] وقد قال الحكماء خير الأمور أوساطها فالزيادة الكثيرة على القوت والكفاية ذميمة ولا تؤمن فتنتها والتقصير عن الكفاف محنة وبلية لا يا من صاحبها فتنتها أيضا ولا سيما صاحب العيال وروي عن بن عمر (رضي الله عنهما) أنه سئل عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء (1) فقال جهد البلاء كثرة العيال وقلة المال وأما قوله وأمتعني بسمعي وبصري فالسمع والبصر من نعم الله العظام على
(٥٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 524 525 526 527 528 529 ... » »»