الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٥٢٠
لا وجه لهذا الحديث عندي غير هذا لأنه معلوم أن لكل نبي دعوات مستجابات ولغير الأنبياء أيضا دعوات مستجابات وما يكاد أحد من أهل الإيمان ولا من المظلومين من كان يخلو من إجابة دعوته إذا شاء ربه قال الله عز وجل * (فيكشف ما تدعون إليه إن شاء) * [الأنعام 41] وقال صلى الله عليه وسلم ما من داع إلا كان بين أحد ثلاث إما يستجاب له فيما دعا به وإما يدخر له مثله وإما أن يكفر عنه وقال دعوة المظلوم لا ترد ولو كانت من كافر وقال في الساعة التي في يوم الجمعة إنه لا يسأل فيها عبد ربه شيئا إلا أعطاه وقال في الدعاء بين الأذان والإقامة وعند الصف في سبيل الله وعند نزول الغيث إنها أوقات يرجى فيها إجابة الدعاء وهذا المعنى كثير جدا ولذلك ذهبنا في تأويل حديث هذا الباب إلى ما وصفنا ومحال أن لا يكون نبينا صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء يجاب من دعائه إلا في دعوة واحدة هذا ما لا يظنه ذو لب إن شاء الله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا معتمر قال سمعت أبي يحدث عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل نبي قد سأل سؤالا أو قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل نبي دعوة قد دعا بها يستجاب فيها فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة وفي هذا الحديث إثبات الشفاعة وهو ركن من أركان اعتقاد أهل السنة وهم مجمعون أن تأويل قول الله عز وجل * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * [الإسراء 79] المقام المحمود هو شفاعته صلى الله عليه وسلم في المذنبين من أمته ولا أعلم في هذا مخالفا إلا شيئا رويته عن مجاهد ذكرته في التمهيد وقد روي عنه خلافه على ما عليه الجماعة فصار إجماعا منهم والحمد لله وقد ذكرت في التمهيد كثيرا من أقاويل الصحابة والتابعين بذلك وذكرت من أحاديث الشفاعة ما فيه كفاية والأحاديث فيه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح ثابتة وذكرنا أيضا في التمهيد حديث بن عمر وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
(٥٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 515 516 517 518 519 520 521 522 524 525 526 ... » »»