الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ٥٢٢
وقال صلى الله عليه وسلم دين الله أحق أن يقضى (1) وروي عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه كان [يستعيذ بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال (2) وهذا الأظهر فيه من دين بني آدم] وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم (3) ويستعيذ بالله من الفقر والفاقة والذلة (4) وكان يدعو الله إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى (5) وأما قوله أغنني من الفقر مع قوله (عليه السلام) اللهم أحيني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ولا تجعلني جبارا شقيا (6) فإن هذا الفقر هو الذي لا @ 523 @ يدرك معه القوة والكفاف ولا يستقر معه في النفس غنى لأن الغنى عنده صلى الله عليه وسلم غنى النفس ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أنه قال ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس (1) وقد جعله الله (عز وجل) غنيا وعدده عليه فيما عدده من نعمة فقال * (ووجدك عائلا فأغنى) * [الضحى 8] ولم يكن غناه صلى الله عليه وسلم أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله وكان الغنى كله في قلبه ثقة بربه وسكونا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له وكذلك قال (عليه السلام) لعبد الله بن مسعود يا عبد الله لا يكثر همك ما يقدر يكن وما يقدر يأتيك وقال إن روح القدس نفث في روعي فقال لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم (2) فغنى النفس يعين على هذا كله وغنى المؤمن الكفاية وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا (3) ولم يرد بهم إلا الذي هو أفضل لهم وقال ما قل وكفى خير مما كثر وألهى (4) وقال أبو حازم إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس في الدنيا شيء يغنيك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من فقر مسرف وغنى مطغ (5) وفي هذا دليل بين أن الغنى والفقر طرفان وغايتان مذمومتان وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 524 525 526 527 528 ... » »»