الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٤٧
وجعلوا نهيه عن ذلك عموما كنهيه عن صيام يوم الفطر والأضحى فلا يجوز لأحد أن يقضي فيهما فرضا ولا يتطوع بصيامهما وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخر الصلاة - إذ نام عنها في الوادي لأنه انتبه عند طلوع الشمس (1) وذكروا عن أبي بكرة وكعب بن عجرة أن كل واحد منهما نام عن صلاة الصبح فلم يصلها - وقد انتبه عند طلوع الشمس - حتى ارتفعت وقد ذكرنا خبريهما ((التمهيد)) وقد اختلف عن أبي بكرة في ذلك ولم يختلف عن كعب بن عجرة فيما علمت وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من وجوه الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو العصر - صلاها أبدا متى ذكرها على ما ثبت عن النبي - عليه السلام - من حديث أبي هريرة فيمن أدرك ركعة من الصبح أو العصر قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وقوله عليه السلام ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) (2) وقد ذكرنا الآثار بذلك من طرق في ((التمهيد)) وأوضحنا القول فيه من جهة تهذيب الآثار ومعلوم أن النسخ لا يكون إلا فيما يتدافع ويتعارض ولو قال عليه السلام لا صلاة بعد الصبح ولا بعد العصر ولا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا استوائها إلا من نسي صلاة أو نام عنها فإنه يصليها في كل وقت - لم يكن في ذلك تناقض ولا تدافع فتدبر هذا الأصل وقف عليه ولا فرق بين أن يكون كلامه - عليه السلام - ذلك كله في وقت واحد أو وقتين وقد تقصينا الاحتجاج على الكوفيين في هذه المسألة في ((التمهيد)) ولا وجه لادعائهم على رسول الله أنه إنما أخر الصلاة يوم نومه عن الصبح من أجل انتباهه عند طلوع الشمس لأنه قد ثبت أنهم لم يستيقظوا يومئذ حتى أيقظهم حر الشمس ولا تكون لها حرارة إلا والصلاة تجوز ذلك الوقت وقد ذكرنا الخبر بذلك في ((التمهيد)) والحمد لله
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»