الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٣٤٨
والدم الثالث دم ليس بعادة ولا طبع للنساء ولا خلقه معروفه منهن وإنما هو عرق انقطع وسال دمه فهذا حكمه أن تكون المرأة في الأيام التي ينوبها فيها طاهرة ولا يمنعها من صلاة ولا صوم ولا يوقف على دم العرق من غيره إلا بمعرفة ما زاد على هذا الحيض بإجماع أو ما نقص عنه باختلاف وقد اختلف العلماء في ذلك فأما فقهاء أهل المدينة فيقولون إن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوما وجائز عندهم أن يكون خمسة عشر يوما فما دون وما زاد على خمسة عشر يوما فلا يكون حيضا وإنما هو استحاضة وهو دم العرق المنقطع وهذا مذهب مالك وأصحابه في الجملة وقد روي عن مالك أنه لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره إلا ما يوجد في النساء وأكثر ما بلغه أنه وجد في النساء خمسة عشر يوما والدفعة عنده من الدم حيض تمنع من الصلاة ولكن الدفعة وما كان مثلها لا تحسب قرءا في العدة (هذا مذهب) بن القاسم وأكثر المصريين والمدنيين عنه وقال بن الماجشون عنه أقل الحيض خمسة أيام وأقل الطهر خمسة أيام وهو قول بن الماجشون قال أبو عمر أما أقل الطهر فقد اضطرب فيه قول مالك وأصحابه فروى بن القاسم عنه عشرة أيام وروى عنه أيضا [أقل الطهر] ثمانية أيام وهو قول سجنون وقال عبد الملك بن الماجشون عبد الملك قال أقل الطهر خمسة أيام ورواه عن مالك وإلى هذه الرواية مال بعض البغداديين من المالكيين وقال محمد بن مسلمة أقل الطهر خمسة عشر يوما وهو اختيار أكثر البغداديين من المالكيين وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري وهو الصحيح لأن الله قد جعل عدة ذات الأقراء ثلاثة قروء وجعل عدة من لا تحيض من كبر أو صغر ثلاثة أشهر فكان كل قرء عوضا من شهر والشهر يجمع الطهر والحيض فإذا قل الحيض كثر الطهر وإذا كثر الحيض قل الطهر فلما كان أكثر الحيض خمسة عشر يوما وجب أن يكون أقل الطهر خمسة عشر يوما ليكمل في الشهر الواحد حيض وطهر وهو المتعارف في الأغلب من كثرة النساء وجبلتهن مع دلائل القرآن والسنة على ذلك كما ذكرنا
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»