الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٣٥٩
أنس بن مالك يقول ((دخل أعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فأتى النبي - عليه السلام - فقضى حاجته فلما قام بال في ناحية المسجد فصاح به الناس فكفهم رسول الله حتى فرغ من بوله ثم دعا بدلو من ماء فصبه على بول الأعرابي)) (1) وقد رواه أبو هريرة عن النبي - عليه السلام - كما رواه أنس من حديث بن شهاب عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحد ولا يختلف أهل الحديث في صحة إسناده وقد ذكرته في التمهيد وفيه من الفقه أن الماء إذا غلب على النجاسة ولم يظهر فيه شيء منها فقد طهرها وأنها لا تضره ممازجته لها إذا غلب عليها وسواء كان قليلا أو كثيرا وقد جعله الله تعالى طهورا وأنزله علينا ليطهرنا به وقال رسول الله - عليه السلام - ((الماء لا ينجسه شيء)) (2) يعني إلا ما غلب عليه من النجاسة فغيره ومعلوم أنه لا يطهر نجاسة حتى يمازجها فإن غلب عليها ولم يظهر فيه شيء منها فالحكم له وإن غلبته النجاسة فالحكم لها إذا ظهر في الماء شيء منها هذا ما يوجبه ظاهر هذا الحديث وهو [من] أصح ما يروى في الماء عن النبي - عليه السلام - وإلى هذا المذهب ذهب جمهور أهل المدينة منهم سعيد بن المسيب وسالم والقاسم وبن شهاب وربيعة وأبو الزناد وهو قول مالك في رواية أهل المدينة عنه وقول أصحابه المدنيين وقد ذكرنا ما لابن القاسم وغيره من المصريين عن مالك في ذلك وما لسائر العلماء في الماء من المذاهب فيما تقدم والحمد لله وحديث هذا الباب لا يقدر أصحاب الشافعي ولا أصحاب أبي حنيفة على دفعه وهو ينقض ما أصلوه في الماء إلا أن أصحاب الشافعي فزعوا - لما لزمتهم الحجة به - إلى التفرقة بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه فراعوا في ورودها عليه مقدار القلتين وهو عندهم خمسمائة رطل ولم يراعوا في وروده عليها ذلك المقدار لحديث أسماء في غسل ثوبها من دم الحيض وحديث أبي هريرة في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء ونحوهما
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»