باب السنة التي هي غير الفرض ولذلك لم يحتج أن يعيد تلك الأعضاء بنية الجنابة لأنه بذلك غسلها وقدم الغسل لها على سائر البدن وقد أجمع العلماء على أن الوضوء لا يعاد بعد الغسل من أوجب منهم المضمضة والاستنشاق ومن لم يوجبها فدل على ما وصفنا والحمد لله وقد ذكرنا في التمهيد حديث عائشة وحديث ميمونة من طرق والمعنى فيها كلها متقارب وفي قول عائشة ((يدخل أصابعه في الماء فيخلل أصول شعره)) ما يقتضي تخليل شعر الرأس وشعر اللحية واختلف قول مالك في تخليل الجنب لحيته في غسله فروى بن القاسم عنه - أنه ليس ذلك عليه وروى أشهب أن عليه أن يخلل لحيته من الجنابة وذكر بن عبد الحكم عن مالك قال هو أحب إلينا وكذلك اختلاف الفقهاء في تخليل الجنب لحيته في غسله على هذين القولين وحديث عائشة يشهد بصحة قول من رأى التخليل في ذلك لأنه بيان منه - عليه السلام - لقوله تعالى * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * [المائدة 6] وأما قوله ((ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات)) فالعدد في ذلك استحباب وما أسبغ وعم وبالغ في ذلك أجزأه ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن رجل يقال له عاصم أن رهطا أتوا عمر بن الخطاب فسألوه عن الغسل من الجنابة فقال أما الغسل فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اغسل رأسك ثلاث مرات وادلكه ثم أفض الماء على جلدك وأما قوله ((ثم يفيض الماء على جلده كله)) فقد اختلف العلماء في الجنب يغتسل فيصب الماء على جلده ويعمه بذلك ولا يتدلك فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه ذلك حتى يتدلك لأن الله تعالى أمر الجنب بالاغتسال كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ولم يكن بد للمتوضئ من إمرار يديه بالماء على وجهه ويديه [إلى المرفقين] فكذلك جميع جسد الجنب ورأسه في حكم وجه المتوضئ ويديه وهذا قول المزني واختياره وقال أبو الفرج المالكي وهذا هو المعقول من لفظ الاغتسال في اللغة ومن لم يمر يديه - فلم يفعل غير صب الماء ولا يسميه أهل اللسان العربي غاسلا بل يسمونه صابا للماء ومنغمسا فيه
(٢٦١)