الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٢٦٠
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة (1) بدأ بغسل يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله (2) وروى القاسم بن محمد وجميع بن عمير والأسود بن يزيد عن عائشة عن النبي - عليه السلام - في صفة غسل الجنابة مثل ذلك بمعناه وهذا الحديث في وصف الاغتسال من الجنابة من أحسن ما روي في ذلك وفيه فرض وسنة فأما السنة فالوضوء قبل الاغتسال وثبت ذلك عن النبي - عليه السلام - من وجوه كثيرة من حديث عائشة وحديث ميمونة وغيرهما فإن لم يتوضأ المغتسل للجنابة قبل الغسل ولكنه عم جسده ورأسه ويديه وجميع بدنه بالغسل بالماء وأسبغ ذلك فقد أدى ما عليه إذا قصد الغسل ونواه لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغسل دون الوضوء بقوله * (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * [النساء 43] وقوله * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * [المائدة 6] وهذا إجماع من العلماء لا خلاف بينهم فيه والحمد لله إلا أنهم مجمعون أيضا على استحباب الوضوء قبل الغسل للجنب تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه الأسوة الحسنة ولأنه أعون على الغسل وأما الوضوء بعد الغسل فلا وجه له عند أهل العلم وقد روى أبو إسحاق السبيعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة قالت كان النبي علي السلام لا يتوضأ بعد الغسل (3) وفي رواية أيوب لحديث مالك هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ((فيخلل أصول شعره مرتين أو ثلاثا ثم يفرغ الماء على سائر جسده)) وأيوب ثقة حافظ قال أيوب فقلت لهشام فغسل رجليه بعد ذلك فقال وضوءه للصلاة وهذا يدل على أن أعضاء الوضوء لا يعيد المغتسل غسلها في غسله لأنه قد غسلها في وضوئه والابتداء بالوضوء في غسل الجنابة يقتضي تقديم أعضاء الوضوء في الغسل سنة مسنونة في تقديم تلك الأعضاء خاصة لأنه ليس في الغسل رتبة وليس ذلك من
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»