المحافظة عليه بما ينفع، وعدم في اللهو واللعب والغفلة، فإن في هذا خسارة الدنيا والآخرة، وقد قيل: " إن الوقت من ذهب " وفي الحقيقة إنه أغلى من الذهب، فإن الذهب يذهب ويجئ، والوقت إذا ذهب فلا يرجع أبدا، فوجب استغلاله بالطاعة والعمل الصالح، ويعجبني قول ابن رجب في مقدمة كتابه " لطائف المعارف " حيث قال: " فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات... وفي رواية للطبراني من حديث محمد بن مسلمة مرفوعا: إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا ".
ولما حافظ المسلمون على أوقاتهم، وعرفوا دورهم في الحياة سعدوا وسعدت الدنيا بهم، وطيبوا بقاع الأرض بأقوالهم وأفعالهم، وصحف التاريخ ملأى بتلك المآثر الحميدة والأعمال الرشيدة، فقد كانوا رهبانا في الليل فرسانا في النهار، طلبوا الآخرة فذلت لهم الدنيا وأتتهم وهي صاغرة، لم يتركوا ميدان سبق إلى الخير إلا استبقوا إليه فسبقوا، روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الجهاد، وذكر الجنة، ورجل من الأنصار يأكل تمرات في يده، فقال: " إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن "، فرمى ما في يده، فحمل بسيفه، فقاتل حتى قتل.
بهذه المسارعة إلى الطاعة نالوا رضا الله، وفازوا بعفوه وغفرانه.
والكتاب الذي أقدمه اليوم هو كتاب " فضائل الأوقات " الذي يحوي على أكثر من ثلاثمائة حديث، تدخل تحت باب " الترغيب في الصوم ".