ناسخ الحديث ومنسوخه - عمر بن شاهين - الصفحة ٦٣
سنده. قال الحافظ ابن حجر: (أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا، إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته).
أو يتفرد بالتصريح بالنسخ دون غيره مع إمكان الجمع بين الحديثين بكل سهولة، أو يقول: (أجمع أكثر الناس على النسخ)، مع أن الإجماع غير وارد، مثال ذلك ما قاله في باب الغسل من غسل الميت، قال: (أجمع أكثر الناس على أن الأحاديث التي ذكرنا في الغسل منسوخة...)، يعني في الغسل من غسل الميت، انظر تعليقه على حديث رقم (43). ولم يقل بالنسخ في هذه المسألة غير الإمام أحمد، وأبو داود، وقد تعقب هذا الأخير الحافظ ابن حجر فقال: (وقال أبو داود هذا منسوخ ولم يبين ناسخه)، بينما ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا نسخ في هذه المسألة، انظر:
حاشية حديث رقم (39)، أو يكون النسخ صريحا في مسألة ما وقال به أهل العلم، لكنه يسكت عنه ولا يصرح به. وأحيانا يصرح بالنسخ في باب، ولا يبين الناسخ من المنسوخ، أو يصرح بالمنسوخ ولا يبين الناسخ، مثال ذلك من باب الوضوء بعد الغسل قال: (وحديث قتادة عن عروة عن عائشة، فحديث غريب صحيح، ويحتمل أنه منسوخ بغيره). وأحيانا يقدم ما ثبت عنده أنه ناسخ، على ما ثبت عنده أنه منسوخ، ثم يقول بعد ذلك: (وهذا حديث نسخه الحديث الأول)، انظر على سبيل المثال:
(باب القنوت في الفجر)، وباب في (تقييد العلم)، وهذا مناقض لمنهج المحدثين، إذ من عادتهم تقديم الأحاديث المنسوخة أولا، ثم يوردون بعد ذلك الأحاديث الناسخة.
وأحيانا أخرى يقدم ما ثبت عنده أنه ناسخ في باب، يسوق ما ثبت عنده أنه منسوخ في باب آخر، مثال ذلك من (باب فيمن أتى بهيمة)، أخرج الحديث الذي ذهب إلى أنه منسوخ، ثم صرح بأن ناسخه هو حديث عثمان بن عفان المتقدم في (باب حكم من تتابع في شرب الخمر)، ويستعمل لإثبات النسخ - غالبا - ألفاظا مثل: (أحسب)، (يحتمل)، (لعله)، (أشبه)، أو يقول في آن واحد: (يحتمل كذا ويحتمل كذا)، ومثل هذه الألفاظ، لا يثبت بها النسخ لما تحمله من شك كما يستعمل لإثبات النسخ - في بعض الأحيان - عبارات مبهمة، لا يفهم القارئ معها قصد ابن شاهين هل يقول بالنسخ أو ينفيه، كأن يقول مثلا: (وهذا باب مشكل عن القطع فيه بالنسخ)، أو يتردد في القول بالنسخ، كأن يقول بالنسخ في مسألة ما، ثم يعود
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 59 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»