من أكل لحم الجزور فهم الكثيرون أن مذهبه القول بنقض وضوء آكل لحم الجزور مع أنه ليس إلا مترجم للحديث أي واضع لعنوان يبين الحكم الذي تدل عليه دلالة منطوق الحديث مع أن دلالة منطوق الحديث يعارضها سبب ورود الحديث فقد ورد أن بعض الصحابة أكلوا لحم جزور فأحدث أحدهم بأن أخرج ريحا ففطن النبي أو ألهم فقال صلى الله عليه وسلم من أكل لحم جزور فليتوضأ فمن راعى دلالة منطوق الحديث أفتى بمقتضاها ومن راعى سبب ورود الحديث أفتى بعدم الوضوء فالحكمان شرعيان وعقليان أحدهما أشق وأعظم أجرا والآخر أيسر وأقل أجرا.
وكذلك لما بلغ الإمام الأعظم حديث النبي (إن الله زادكم صلاة فوق صلواتكم الخمس وهي الوتر فهم من دلالة المنطوق أن الوتر فرض عملي لا اعتقادي أي يثاب من صلى الوتر على أنه فرض أجر الفرض ويأثم إثما أغلظ إذا تركه ولا يكفر جاحده لأنه فرض عملي لا عقيدي.
وفهم غير أبي حنيفة مجرد تعظيم المصطفى لصلاة الوتر.
فاحتمال كون الوتر فرض عملي دلت عليه دلالة منطوق حديث (إن الله زادكم صلاة فوق صلواتكم الخمس وهي الوتر). لأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه (وهو الصلوات الخمس).
وإما احتمال كون الوتر سنة فدلت عليه أحاديث كثيرة منها (الوتر حق على كل مسلم) وحديث (إن الله زادكم بصلاة خير لكم من حمر النعم وهي الوتر).
وأيضا نلاحظ أن الطبري استوعب رواية أكثر الآثار الواردة في تأويل كل كلمة في القرآن ولكنه ساق الروايات متضمنة المعاني المتوازية التي وردت في تأول كل كلمة بدون ترجيح أدبا مع القرآن والسنة وفرارا من تحمل عهدة الترجيح.
وكذلك الثوري لم يفسر كل آيات القرآن بل وكذلك عبد الرزاق وغيرهما اقتصروا على تفسير الآيات التي بلغتهم في تأويلها الآثار.
وقد كان منهج أئمة الحديث والتفسير ترك تبويب الأحاديث لأنها ظنية الدلالة فكثيرا ما نرى الحديث يدل بدلالة منطوقة على حكم للمسألة وبدلالة مفهومه على حكم آخر أو بعموم لفظه على حكم وبخصوص السبب على حكم آخر أو بالدلالة اللغوية على