المباحات بل والمحرمات شرعا ولا يعد فاعلها فاعلا شرعا الا بالنية وان خصت بالعبادات يتوقف الدليل على اثبات أن الوضوء عبادة وقد يجاب بتخصيص الاعمال بالافعال الشرعية التي علم وجودها من جهة الشارع والوضوء منها بلا ريب لكن ينتقض الدليل بنحو طهارة الثوب والبدن لتحققهما بلا نية أيضا مع أنهما من الأمور الشرعية فالأحسن الجواب بإثبات أن الوضوء عبادة لورود الثواب عليه لفاعله مطلقا في الأحاديث وكل ما هذا شأنه فهو عبادة وقد يقال أن أحاديث الثواب تكفي في اثبات المطلوب من غير حاجة إلى ضم هذا الحديث لأنها تدل على أن الوضوء عبادة وقد أجمعوا على أن العبادة لا تكون الا بالنية أو لأنهم اتفقوا على أن الثواب يتوقف على النية وقد علم أن الوضوء مطلقا يثاب عليه فلزم أن الوضوء مطلقا يتوقف على النية والله تعالى أعلم بقي أن هذا الحديث هل هو مسوق لاشتراط النية في العبادات أم لا والظاهر أنه غير مسوق لذلك كما صرح به القاضي البيضاوي في شرح المصابيح وإن كان كلام الفقهاء وغيرهم على أنه مسوق له وذلك لان قوله وإنما لامرئ ما نوى أي ما نواه من خير أو شر أو نية وكذا قوله فمن كانت هجرته الخ بالتفريع على ما تقدم بالفاء يأبى تخصيص النية بالنية الشرعية ويقتضي أن المراد بالنية في الحديث مطلق القصد أعم من أن يكون نية خير أو شر قال القاضي النية لغة القصد وشرعا توجه القلب نحو الفعل ابتغاء لوجه الله تعالى وامتثالا لامره وهي في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبقه على ما بعده وتقسيمه بقوله فمن كانت هجرته الخ فالمعنى أن الاعمال أي الأفعال الاختيارية لا توجد الا بالنية والقصد الداعي للفاعل إلى ذلك الفعل وإنما لامرئ ما نوى أي ليس للفاعل من عمله الا نيته أو منويه أي الذي يرجع إليه من العمل نفعا أو ضرا هي النية فإن العمل بحسبها يحسب خيرا وشرا ويجزى المرء على العمل بحسبها ثوابا وعقابا يكون العمل تارة حسنا وتارة قبيحا بسببها ويتعدد الجزاء بتعددها وقوله لامرئ بمعنى لكل امرئ كما جاء في الروايات وذلك لان إنما يتضمن النفي في أول الكلام والاثبات على آخر جزء منه فالنكرة صارت
(٥٩)