الديباج على مسلم - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٤٧٩
وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والجنة والنار هذا ما أورده القاضي هنا ونقله علي عنه النووي ولم يزد عليه وقال القرطبي في شرح مسلم قد تضمن هذا الحديث تفسير قوله تعالى أحياء عند ربهم يرزقون وإن معنى حياة الشهيد حتى أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم وذلك بأن جعلت في أجواف طير كما في هذا الحديث أو في حواصل طير خضر كما في الحديث الآخر صيانة لتلك الأرواح ومبالغة في إكرامها لاطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف الذي لا يحجب عما وراءه ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ميليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله لها ثم إن أرواحهم بعد سرحها في الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرمة مشرقة منورة عبر عنها بالقناديل لكثرة أنوارها وشدتها وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث وأما حديث مالك الذي قال فيه إنما نسمة المؤمن تعالى طائر يعلق في شجر الجنة فالمراد بالمؤمن فيه الشهيد والحديثان واحد في المعنى وهو من باب حمل المطلق على المقيد وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يعرض عليه مقعده من الجنة وهو موضعه من القبر أو الصور أو حيث شاء الله غير سارح في الجنة ولا داخل فيها وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد فإنه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها على ما تقدم وبهذا تلتئم الأحاديث وتتفق هذا ما ذكره القرطبي وقال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب سراج المريدين يجوز أن تودع الروح في جوف طائر أو تكون على هيئة طائر في صفاته ويصل إليها الغذاء
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 ... » »»