عمدة القاري - العيني - ج ٢٥ - الصفحة ٩٢
عالما. وقال البيهقي: السميع من له سمع يدرك به المسموعات، والبصير من له بصر يدرك به المرئيات، قيل: كيف يتصور السمع له وهو عبارة عن وصول الهواء المتموج إلى العصب المفروش في مقعر الصماخ؟ وأجيب: بأنه ليس السمع ذلك بل هو حالة يخلقها الله في الحي، نعم جرت سنة الله تعالى أنه لا يخلقه عادة إلا عند وصول الهواء إليه، ولا ملازمة عقلا بينهما، والله تعالى يسمع المسموع بدون هذه الوسائط العادية. كما أنه يرى بدون المواجهة والمقابلة وخروج الشعاع ونحوه من الأمور التي لا يحصل الإبصار عادة إلا بها.
وقال الأعمش: عن تميم عن عروة عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، فأنزل الله تعالى على النبي * (قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى 1764; إلى الله والله يسمع تحاوركمآ إن الله سميع بصير) * أي: وقال سليمان الأعمش عن تميم بن سلمة الكوفي التابعي عن عروة بن الزبير عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت:... إلى آخره، ووصل هذا التعليق أحمد والنسائي باللفظ المذكور هنا، وأخرجه ابن ماجة من رواية أبي عبيدة بن معن عن الأعمش بلفظ: تبارك الذي وسع سمعه كل شي، إني أسمع كلام خولة، ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله وهي تقول: أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكوا إليك، فما برحت حتى نزل جبريل، عليه السلام، بهؤلاء الآيات: * (قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى 1764; إلى الله والله يسمع تحاوركمآ إن الله سميع بصير) * انتهى. ومعنى قول عائشة أوعى: وسع سمعه الأصوات، لا أنه اتسع صوته لها، لأن الموصوف بالسعة لا يصح وصفه بالضيق بدلا منه، والوصفان جميعا من صفات الأجسام فيستحيل هذا في حق الله فوجب صرف قولها عن ظاهره إلى ما اقتضاه صحة الدليل.
7386 حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي عثمان، عن أبي موساى قال: كنا مع النبي في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا ثم أتى علي، وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: يا عبد الله بن قيس قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة أو قال: ألا أدلك به؟
ا مطابقته للترجمة في قوله: تدعون سميعا بصيرا وأيوب هو السختياني، وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون، وأبو موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.
والحديث مضى في كتاب الدعوات في: باب الدعاء إذا علا عقبة، وأخرجه هناك بعين هذا الإسناد عن سليمان بن حرب إلى آخره، وبعين هذا المتن، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: أربعوا بفتح الباء الموحدة أي: ارفعوا ولا تبالغوا في الجهر، وحكى ابن التين أنه وقع في رواية بكسر الباء، وأنه في كتب أهل اللغة وبعض كتب الحديث بفتحها. قلت: الفتح هو الصحيح لأنه من الكلمة التي في لام فعله حرف حلق ولا يجيء مضارعه إلا بفتح عين الفعل. قوله: أصم ويروى: أصما، ولعله لمناسبة: غائبا. قوله: ولا غائبا قال الكرماني: فإن قلت: المناسب، ولا أعمى، وقلت: الأعمى غائب عن الإحساس بالبصر والغائب كالأعمى في عدم رؤية ذلك المبصر، فنفى لازمه ليكون أبلغ وأعم، وزاد: القريب، إذ رب سامع وباصر لا يسمع ولا يبصر لبعده عن المحسوس، فأثبت القريب لتبين وجود المقتضى وعدم المانع، ولم يرد بالقرب قرب المسافة لأنه تعالى منزه عن الحلول في مكان بل القرب بالعلم أو هو مذكور عل سبيل الاستعارة. قوله: كنز أي: كالكنز في نفاسته. أو قال شك من الراوي أي: ألا أدلك على كلمة هي كنز بهذا الكلام.
وقال ابن بطال: في هذا الحديث: نفي الآفة المانعة من السمع، والآفة المانعة من البصر وإثبات كونه سميعا بصيرا قريبا مستلزم أن لا يصح أضداد
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»