الكتاب كان في الأيمان والنذور، وفرغ من أبواب الأيمان وشرع في أبواب النذور، وهو جمع نذر وهو إيجاب شيء من عبادة أو صدقة أو نحوهما على نفسه تبرعا، يقال: نذرت الشيء أنذر وأنذر بالكسر والضم نذرا. ويقال النذر في اللغة التزام خير أو شر، وفي الشرع: التزام المكلف شيئا لم يكن عليه منجزا أو معلقا، والنذر نوعان: نذر تبرر، ونذر لجاج.
فالأول: على قسمين: أحدهما: ما يتقرب به ابتداء كقوله: لله على أن أصوم كذا... مطلقا، أو: أصوم شكرا على أن شفي الله مريضي.. ونحوه، وقيل: الاتفاق على صحته في الوجهين وعن بعض الشافعية في الوجه الثاني أنه لا ينعقد. والثاني: من القسمين: ما يتقرب به معلقا كقوله: إن قدم فلان من سفره فعلي أن أصوم كذا، وهذا لازم اتفاقا.
ونذر اللجاج كذلك على قسمين: أحدهما: ما يعلقه على فعل حرام أو ترك واجب فلا ينعقد. والقسم الآخر: ما يتعلق بفعل مباح أو ترك مستحب أو خلاف الأولى، ففيه ثلاثة أقوال للعلماء: الوفاء أو كفارة يمين أو التخيير بينهما عند الشافعية، وعند المالكية: لا ينعقد أصلا، وعند الحنفية: يلزمة كفارة اليمين في الجميع.
0966 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمان بن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال:
سمعت كعب بن مالك في حديثه: * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا) * (التوبة: 811) فقال في آخر حديثه: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك).
مطابقته للترجمة من حيث إن كعب بن مالك جعل من توبته انخلاعه من ماله صدقة إلى الله ورسوله. قيل: فيه نظر لأنه ليس في الانخلاع المذكور ما يدل على النذر منه، والترجمة فيها النذر ويمكن الجواب بأن يقال: إن في الانخلاع معنى الالتزام، وفي الالتزام معنى النذر، ولم يذكر هذا أحد من الشراح.
وأحمد بن صالح أبو جعفر المصري يروي عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
والحديث مضى بطوله في كأب المغازي.
وكعب ابن مالك هو أحد * (الثلاثة الذين خلفوا) * ونزلت الآية فيه وفي صاحبيه، وهما: مرارة بضم الميم وهلال. قوله: (في حديثه) أي: في حديث تخلفه عن غزوة تبوك. قوله: (أن انخلع) كلمة: أن، مصدرية، وأنخلع من الانخلاع أي: أن أعرى من مالي كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه. قوله: (أمسك عليك بعض مالك) وفي رواية أبي داود عن أحمد بن صالح بهذا السند: فقلت: إني أمسك سهمي الذي يخيبر. قوله: (فهو خير لك) أي: إمساك بعض مالك خير لك، وعين البعض في رواية لأبي داود قال: يجزئ عنك الثلث.
اختلف العلماء فيمن نذر أن يتصدق بجميع ماله على عشرة أقوال.
الأول: يلزمه ثلث ماله، وبه قال مالك. الثاني: إنه إن كان مليا فكذلك، وإن كان فقيرا فكفارة يمين، وبه قال الليث وابن وهب. الثالث: إن كان متوسطا يخرج بحصة الثلث، وهو قول ربيعة. الرابع: يخرج ما لا يضر به، وهو قول سحنون من المالكية. الخامس: يخرج زكاة ماله، يروى ذلك عن ربيعة أيضا. السادس: يخرج جميع ماله، وهو قول إبراهيم النخعي. السابع: إن علقه بشرط كقوله: إن شفى الله مريضي، أو إن دخلت الدار... فالقياس أن يلزمه إخراج كل ماله، وهو قول أبي حنيفة. الثامن: إن أخرج نذره مخرج التبرر مثل: إن شفي الله مريضي فيلزمه جميع ماله، وإن كان لجاجا وغضبا فيقصد منع نفسه من فعل مباح كأن دخلت الدار فهو بالخيار إن شاء أن يفي بذلك أو يكفر كفارة يمين، وهو قول الشافعي. التاسع: لا يلزمه شيء أصلا، وهو قول ابن أبي ليلى، وطاووس والشعبي. العاشر: يحبس لنفسه من ماله قوت شهرين ثم يتصدق بمثله إذا أفاد، وهو قول زفر.
52 ((باب إذا حرم طعامه)) أي: هذا باب يذكر فيه إذا حرم الشخص طعامه بأن قال: طعام كذا أو شراب كذا علي حرام، أو قال: نذر لله أن لا آكل