عمدة القاري - العيني - ج ٢٣ - الصفحة ٩٣
الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه).
قد ذكرنا أن الترجمة جزء الحديث فلا مطابقة أوضح من هذا.
وحجاج هو ابن المنهال البصري، وهو من كبار شيوخ البخاري مات سنة سبع عشرة ومائتين، وهمام هو ابن يحيى، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي.
والحديث أخرجه مسلم في الدعوات عن هدبة بن خالد وغيره. وأخرجه الترمذي في الزهد عن محمود بن غيلان وفي الجنائز عن أبي الأشعث أحمد بن المقدم. وأخرجه النسائي في الجنائز عن أبي الأشعث.
قوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) قال الكرماني: ليس الشرط سببا للجزاء بل الأمر بالعكس، ثم قال: مثله يؤول بالأخبار أي: من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه، وكذلك الكراهة. انتهى.
وقيل: من، خبرية وليست بشرطية، وليس معناه: أن سبب حب الله لقاء العبد حب لقائه ولا الكراهة، ولكنه صفة حال الطائفتين في أنفسهم وعند ربهم، والتقدير: من أحب لقاء الله فهو الذي أحب الله لقاءه، وكذا الكراهة. انتهى.
قلت: حديث أبي هريرة الذي يأتي في التوحيد مرفوع، قال الله تعالى: (إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه) يدل على أن: من، شرطية فلا وجه لنفيها. وقال النووي: الكراهة المعتبرة هي التي تكون، عند النزع في حالة لا تقبل التوبة، فحينئذ يكشف لكل إنسان ما هو صائر إليه، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد الله لهم. ويحب الله لقاءهم ليجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهونه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي: يبعدهم عن رحمته ولا يريد لهم الخير وقال الخطابي: اللقاء على وجوه. منها: الرؤية ومنها: البعث كقوله تعالى: * (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله) * (الأنعام: 13 ويونس: 54) أي: بالبعث: ومنها: الموت كقوله: من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت، وقال ابن الأثير في (النهاية): المراد بلقاء الله هنا المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله، وليس الغرض به الموت، لأن كلا يكرهه، فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله، ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله لأنه إنما يصل إليه بالموت. قوله: (أو بعض أزواجه) كذا في هذه الرواية بالشك، وجزم سعيد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي قالت ذلك ولم يتردد فيه.
قلت: روى مسلم هذا الحديث عن هداب ابن خالد عن همام مقتصرا على أصل الحديث ولم يذكر في هذه الرواية هذه الزيادة أعنى قوله: (قالت عائشة أو بعض أزواجه...) إلى آخره، ثم أخرجه من رواية سعيد بن أبي عروبة موصولا فكأن مسلما حذف الزيادة عمدا لكونها مرسلة من هذا الوجه، واكتفى بإيرادها موصولة من طريق سعيد بن أبي عروبة، وقد أشار البخاري إلى ذلك حيث علق رواية شعبة بقوله: اختصره... إلى آخره على ما يأتي، وكذا أشار إلى رواية سعيد بن أبي عروبة تعليقا، وهذا من العلل الخفية جدا. فإن قلت: هذه الزيادة لا تظهر صريحا: هل هي من كلام عبادة على معنى أنه سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع مراجعة عائشة رضي الله تعالى عنها، أو من كلام أنس على معنى أنه حضر ذلك، أو من كلام قتادة أرسله في رواية همام ووصله في رواية سعيد بن أبي عروبة، فيكون في رواية همام إدراج.
قلت: هذه الاحتمالات لا ترد، فلذلك قال البخاري عقيب الحديث المذكور: اختصره أبو داود... إلى آخره، وهذا من صنيعه العجيب. قوله: (مما أمامه) بفتح الهمزة أي: مما قدامه من استقبال الموت، وقال الكرماني: مما أمامه متناول للموت أيضا ثم قال: فإن قلت: قد نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا وأثبته عموما فما وجهه؟.
قلت: نفى الكراهة التي هي حال الصحة وقبل الاطلاع على حاله، وأثبت التي هي في حال النزع وبعد الاطلاع على حاله، فلا منافاة. قوله: (حضر) على صيغة المجهول وكذلك قوله: (بشر)، قوله: (كره لقاء الله) ويروى: فكره، بالفاء.
اختصره أبو داود وعمر و عن شعبة وقال سعيد: عن قتادة عن زرارة عن سعد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أي: اختصر الحديث المذكور أبو داود سليمان الطيالسي، وعمرو بن مرزوق الباهلي، فرواية أبي داود أخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود بلفظ أبي موسى الذي يأتي هنا من غير زيادة لا نقصان، ورواية عمرو بن مرزوق أخرجها
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»