51 ((كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة)) أي هذا كتاب في بيان أحكام المحاربين من أهل الكفر والردة، وقال بعضهم في كون هذه الترجمة في هذا الموضع إشكال وأظنها مما انقلب على الذين نسخوا كتاب الباري من المسودة، والذي يظهر أن محلها بين كتاب الديات وبين استتابة المرتدين، وأطال الكلامم فيه.
قلت: هذا بعيد جدا لتوفر الدواعي من ضباط هذا الكتاب من حين ألفه البخاري إلى يومنا ولا سيما اطلاع خلق كثير من أكابر المحدثين وأكابر الشراح عليه. والمناسبة في وضع هذه الترجمة هنا موجودة لأن كتاب الحدودالذي قبله مشتمل على أبواب مشتملة على شرب الخمر والسرقة والزنا، وهذه معاص داخلة في محاربة الله ورسوله. وأيضا قد ثبت في بعض النسخ في رواية النسفي بعد قوله: من أهل الكفر والردة، ومن يجب عليه حد الزنا، وقدضم حد الزنا إلى المحاربين فيكون داخلا فيها لإفضائه إلى القتل في بعض الصور، وقال هذا القائل أيضا: وعلى هذا فالأولى أن يبدل لفظ كتاب بباب وتكون الأبواب كلها داخلة في كتاب الحدود.
قلت: فيه أبواب لا تتعلق إلا بغير ما تتعلق بالمحاربين فحينئذ ذكره بلفظ كتاب أولى لأنه يشتمل على أبواب.
وقول الله تعالى: * (إنما جزآء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الارض فسادا أن يقتلو 1764; ا أو يصلبو 1764; ا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذالك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الاخرة عذاب عظيم) * (المائدة: 33) [/ ح.
وقول الله: بالجر عطف على المحاربين، سيقت هذه الآية الكريمة إلى * (من الأرض) * في رواية كريمة وغيرها، وفي رواية أبي ذر * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) *.. الآية. وظاهر كلام البخاري أنه يريد بالذين يحاربون الله ورسوله في الآية الكريمة الكفار لا قطاع الطريق. وقال الجمهور: هي في حق القطاع، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو ثور، وممن قال: إن هذه الآية نزلت في أهل الشرك: الحسن والضحاك وعطاء والزهري، وقال ابن القصار: وقيل: نزلت في أهل الذمة الذين نقضوا العهد، وقيل: في المرتدين، وكله خطأ، وليس قول من قال: إن الآية، وإن كانت نزلت في المسلمين، مناف في المعنى لقول من قال: إنها نزلت في أهل الردة والمشركين، لأن الآية، وإن كانت نزلت في المرتدين بأعيانهم فلفظها عام يدخل في معناه كل من فعل مثل فعلهم من المحاربة والفساد في الأرض.
وأما ترتيب أقوال العلماء الذين جعلوا الآية نزلت في المسلمين في حد المحارب المسلم. فقال مالك: إذا أشهر السلاح وأخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا كان الإمام مخيرا فيه، فإن رأى أن يقتله أو يصلبه أو يقطع يده ورجله من خلاف، أو ينفيه فعل ذلك. وقال الكوفيون والشافعي: إذا لم يقتل ولا أخذ مالا لم يكن عليه إلا التعزيز وإنما يقتله الإمام إن قتل ويقطعه إن سرق ويصلبه إذا أخذ المال وقتل وينفيه إذا لم يفعل شيئا من ذلك، ولا يكون الإمام مخيرا فيه، والنفي عند الشافعي التعزير بالإخراج من بلده. وقال: الجمهور من المالكية: النفي الحبس في بلد آخر وفي (التلويح): قول أبي حنيفة: الحبس ضد النفي والنفي هو الإخراج عن الوطن لأنه أبلغ في الردع ثم يحبس في المكان الذي يخرج إليه حتى تظهر توبته، هذه حقيقة النفي.
2086 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحياى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة الجرمي عن أنس رضي الله عنه، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوها، فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحسمهم حتى ماتوا.