هذا جواب عن قول أبي موسى أنه سيتابعني، وأشار إلى أنه لو تابعه لخالف صريح السنة التي عنده، وأنه لو خالفها عامدا لضل. قوله: (أقضى فيها) أي في هذه المسألة أو في هذه القضية (بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم) والذي قضاه هو قوله: (للابنة النصف...) إلى آخره، وفي رواية الدارقطني من طريق حجاج بن أرطأة عن عبد الرحمن بن ثروان: فقال ابن مسعود: كيف أقول يعني مثل قول أبي موسى وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؟... فذكره، وكانت هذه القضية في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه. لأنه هو الذي أمر أباه موسى على الكوفة، وكان ابن مسعود قبل ذلك أميرها ثم عزل قبل ولاية أبي موسى عليها بمدة. قوله: (فأتينا أباه موسى) فيه إشعار بأن هزيلا الراوي المذكور توجه مع السائل إلى ابن مسعود فسمع جوابه، فعاد، إلى أبي موسى معه فأخبره، فلذلك ذكر المزي في (الأطراف): هذا الحديث من رواية هزيل عن ابن مسعود. قوله: (ما دام هذا الحبر) بفتح الحاء وسكون الباء الموحدة وبالراء، وأراد به ابن مسعود، والحبر هو الذي يحسن الكلام ويزينه. وذكر الجوهري الحبر بالفتح والكسر ورجح الكسر، وجزم الفراء بالكسر، وقال سمي: بالحبر الذي يكتب به. قلت: هو بالفتح في رواية جميع المحدثين، وأنكر أبو الهيثم الكسر.
وفيه: أن الحجة عند التنازع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب الرجوع إليها. وفيه: بيان ما كانوا عليه من الإنصاف والاعتراف بالحق والرجوع إليه وشهادة بعضهم لبعض بالعلم والفضل وكثرة اطلاع ابن مسعود على السنة، وتثبت أبي موسى عن الفتيا حيث دل على من ظن أنه أعلم منه. قال ابن بطال: ولا خلاف بين العلماء فيما رواه ابن مسعود، وفي جواب أبي موسى إشعار بأنه رجع عما قاله، وقال أبو عمر: لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة الباهلي، وقد رجع أبو موسى عن ذلك، ولعل سلمان أيضا رجع كأبي موسى، وسلمان هذا مختلف في صحبته وله أثر في فتوح العراق أيام عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، واستشهد في زمان عثمان وكان يقال له: سلمان الخيل، لمعرفته بها، وقال ابن العربي: يؤخذ من قصة أبي موسى وابن مسعود جواز العمل بالقياس قبل معرفة الخبر والرجوع إلى الخبر بعد معرفته، ونقض الحكم إذا خالف النص.
9 ((باب ميراث الجد مع الأب والإخوة)) أي: هذا باب في بيان حكم ميراث الجد الذي من قبل الأب مع الأب والأخوة الأشقاء، ومن الأب وقد انعقد الإجماع على أن الجد لا يرث مع وجود الأب.
وقال أبو بكر ابن عباس وابن الزبير: الجد أب أي: الجد الصحيح أب أي: حكمه حكم الأب عند عدمه بالإجماع. والجد الصحيح هو الذي لا يدخل في نسبته إلى الميت أم، وقد يطلق على الجد أب في قوله عز وجل: * (كما أخرج أبويكم من الجنة) * (الأعراف: 72) والمخرج من الجنة آدم جدنا الأعلى فإذا أطلق على الجد الأعلى أب فإطلاقه على أب الأب بطريق الأولى، فإذا كان أبا فله أحوال ثلاث: الفرض المطلق والفرض والنصيب والتعصيب المحض فهو كالأب في جميع أحواله إلا في أربع مسائل فإنه لا يقوم مقام الأب فيها. الأولى: أن بني الأعيان والجدات كلهم يسقطون بالأب بالإجماع ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه. الثالثة: أن الأم مع أحد الزوجين والأب تأخذ ثلث ما يبقى، ومع الجد تأخذ ثلث الجميع إلا عند أبي يوسف فإن عنده الجد كالأب فيه. والثانية: أن أم الأب، وإن علت تسقط بالأب ولا تسقط بالجد وإن علت. الرابعة: أن المعتق إذا ترك أبا المعتق وابنه فسدس الولاء للأب والباقي للابن عند أبي يوسف، وعندهما: كله للابن، ولو ترك ابن المعتق وجده فالولاء كله للابن بالاتفاق، وهذا هو شرح كلام هؤلاء الصحابة، ولم أر أحدا من الشراح ذكر شيئا من ذلك. وقال بعضهم: قوله: (الجد أب) أي: هو أب حقيقة.
قلت: لم يقل بذلك أحد ممن يميز بين الحقيقة والمجاز، وأما قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه، فوصله الدارمي بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري: أن أبا بكر جعل الجد أبا. وأما قول ابن عباس فأخرجه