ما أحملكم) قال: فانطلقنا، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهب إبل، فقيل: أين هاؤلاء الأشعريون؟ أين هاؤلاء الأشعريون؟ فأتينا فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى، قال: فاندفعنا، فقلت لأصحابي: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا، ثم أرسل إلينا فحملنا، نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه، والله لئن تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح أبدا، ارجعوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنذكره يمينه، فرجعنا فقلنا: يا رسول الله! أتيناك نستحملك فحلفت أن لا تحملنا، ثم حملتنا فظننا أو فعرفنا أنك نسيت يمينك. قال: (انطلقوا! فإنما حملكم الله! إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها).
هذا الحديث لا يدل إلا على أن الكفارة بعد الحنث، فحينئذ لا تكون المطابقة بينه وبين الترجمة إلا في قوله: (وبعده) أي: وبعد الحنث، وكذلك الحديث الآخر الذي يأتي في هذا الباب لا يدل إلا على أن الكفارة بعد الحنث، ولم يذكر شيئا في هذا الباب يدل على أن الكفارة قبل الحنث أيضا، فكأنه اكتفى بما ذكره قبل هذا الباب عن أبي النعمان عن حماد.
وهذا الحديث قد مر في مواضع كثيرة في فرض الخمس عن عبد الله بن عبد الوهاب وفي المغازي عن أبي نعيم وفي الذبائح عن أبي معمر وعن يحيى عن وكيع وفي النذور عن أبي معمر وعن قتيبة، وسيأتي في التوحيد عن عبد الله بن عبد الوهاب، ومضى أكثر الكلام في شرحه في: باب لا تحلفوا بآبائكم.
وعلي بن حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء السعدي مات سنة أربع وأربعين ومائتين، وإسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية اسم أمه، وأيوب هو السختياني، والقاسم بن عاصم التميمي، وزهدم بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء، وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري.
قوله: (وكان بيننا وبين هذا الحي) إلى قوله: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) من كلام زهدم مع تخلل بعض القول عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه، لا يخفى على الناظر المتأمل ذلك، وفي رواية الكشميهني: وكان بيننا وبينهم هذا الحي.. قال الكرماني: الظاهر أن يقال: بينه، يعني: أبا موسى، كما تقدم: في: باب لا تحلفوا بآبائكم، حيث قال: كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين... ثم قال: لعله جعل نفسه من أتباع أبي موسى كواحد من الأشاعرة؟ وأراد بقوله: بيننا، أبا موسى وأتباعه الحقيقة والأدعائية. قوله: (إخاء) بكسر الهمزة وبالخاء المعجمة وبالمد أي: صداقة. قوله: (ومعروف) أي: إحسان وبر. قوله: (فقدم طعام) هكذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فقدم طعامه، أي: وضع بين يديه. قوله: (رجل من بني تيم الله) هواسم قبيلة يقال لهم أيضا تيم اللات، وهم من قصاعة. قوله: (أحمر) صفة رجل أي: لم يكن من العرب الخلص. قوله: (كأنه مولى) قد تقدم في فرض الخمس: كأنه من الموالي. قوله: (فلم يدن) أي: فلم يقرب إلى الطعام. قوله: (أدن)، بضم الهمزة وسكون الدال أمر من دنا يدنو. قوله: (قذرته) بكسر الذال المعجمة وفتحها أي: كرهته لأنه كان من الجلالة. قوله: (أخبرك) مجزوم لأنه جواب الأمر. قوله: (عن ذلك) أي: عن الطريق في حل اليمين. قوله: (استحمله) أي: أطلب منه ما نركبه. قوله: (نعما) بفتح النون والعين المهملة. قوله: (قال أيوب) هو السختياني أحد الرواة. قوله: (والله لا أحملكم) قال القرطبي: فيه جواز اليمين عند المنع ورد السائل الملحف. قوله: (بنهب) بفتح النون وسكون الهاء بعدها باء موحدة، وأراد به الغنيمة. قوله: (بخمس ذود) قد مر تفسيره عن قريب وقد مر في المغازي: بستة أبعرة، ولا منافاة إذ ذكر القليل لا ينفي الكثير. قوله: (غر الذرى) أي: بيض الأسنمة، والغر بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر. أي: أبيض، والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء المخففة جمع ذروة، وذروة الشيء أعلاه. وأراد بها السنام. قوله: (فاندفعنا) أي: سرنا مسرعين، والدفع السير بسرعة. قوله: (والله لئن تغفلنا) أي: لئن طلبنا غفلته في يمينه