عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٣٠٣
بالأوصاف الجلالية، وعلى العظمة التي تدل على القدرة العظيمة إذ العاجز لا يكون عظيما، وعلى الحلم الذي يدل على العلم، إذ الجاهل بالشيء لا يتصور منه الحلم، وهما أصل الصفات الوجودية الحقيقية المسماة بالأوصاف الإكرامية، ووجه تخصيص الذكر بالحليم لأن كرب المؤمن غالبا إنما هو على نوع تقصير في الطاعات أو غفلة في الحالات وهذا يشعر برجاء العفو المقلل للحزن فإن قلت: الحلم هو الطمأنينة عند الغضب، فكيف تطلق على الله عز وجل؟ قلت: تطلق على الله ويراد لازمها وهو تأخير العقوبة. فإن قلت: هذا ذكر لا دعاء. قلت: إنه ذكر يستفتح به الدعاء لكشف الكرب. قوله: (رب السماوات والأرض) خصهما بالذكر لأنهما من أعظم المشاهدات، ومعنى: الرب في اللغة يطلق على المالك والسيد والمدبر والمربى والمتمم والمنعم ولا يطلق غير مضاف إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال: رب كذا. قوله: (رب العرش العظيم) ذا أيضا يشتمل على التوحيد والربوبية وعظمة العرش، وجه الأول قد ذكرناه، ووجه ذكر الثاني أعني: لفظ الرب، من بين سائر الأسماء الحسنى هو كونه مناسبا لكشف الكرب الذي هو مقتضى التربية، ووجه الثالث: وهو تخصيص العرش بالذكر لأنه أعظم أجسام العالم فيدخل الجميع تحته دخول الأدنى تحت الأعلى، ثم لفظ: العظيم، صفة للعرش بالجر عند الجمهور، ونقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم على أنه نعت للرب، ويروى: ورب العرش العظيم، بالواو.
6346 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم.
هذا طريق آخر في حديث ابن عباس المذكور أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان عن هشام بن عبد الله الدستوائي... إلى آخره، وهنا جاء: (ورب العرش الكريم) ولفظ: الكريم، بالرفع على أنه صفة للرب على ما نقله ابن التين عن الداودي، وفي رواية الجمهور بالجر على أنه نعت للعرش، ووصف العرش هنا بالكريم أي: الحسن من جهة الكيفية فهو ممدوح ذاتا وصفة، وفي الحديث السابق وصفه بالعظمة من جهة الكمية، وقال ابن بطال: حدثني أبو بكر الرازي قال: كنت بأصبهان عند أبي نعيم أكتب الحديث عنه، وهناك شيخ يقال له: أبو بكر بن علي، عليه مدار الفتيا، فسعى به عند السلطان فسجنه، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وجبريل عليه السلام عن يمينه يحرك شفتيه بالتسبيح لا يفتر فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: قل لأبي بكر بن علي يدعو بدعاء الكرب الذي في (صحيح البخاري) حتى يفرج الله عنه، قال: فأصبحت فأخبرته فدعا به فلم يكن إلا قليلا حتى أخرج من السجن. وقال الحسن البصري رحمه الله: أرسل إلى الحجاج فقلتهن، فقال: والله أرسلت إليك وأنا أريد أن أقتلك فلأنت اليوم أحب إلى من كذا وكذا، وزاد في لفظه: فسل حاجتك.
وقال وهب: حدثنا شعبة عن قتادة مثله وهب هو ابن جرير كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي وحده بالتصغير ابن خالد، وفي رواية أبي زيد المروزي وهب بن جرير بن حازم وبهذا يزول الإشكال، وقد ذكرنا عن قريب أن البخاري إنما أورد هذا دفعا لما قيل من الحصر: إن شعبة قال: لم يسمع قتادة عن أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث، وقد ذكرناها، وأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا ما سمعه ذلك المدلس من شيخه، وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة. وأخرج مسلم هذا الحديث من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: أن أبا العالية حدثه، وهذا صريح في سماعه له منه.
28 ((باب التعوذ من جهد البلاء)) أي: هذا باب في بيان التعوذ من جهد البلاء، الجهد بفتح الجيم وبضمها المشقة وكلما أصاب الإنسان من شدة المشقة والجهد
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»