عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ٢٨
بعض الترجمة وكثيرا يقصد البخاري ذلك، قاله الكرماني، وقال بعضهم: لعله حمل المطلق على المقيد وذلك لقرب العهد فإن القصة التي ذكرها أنس كانت في غزوة خيبر والتي ذكرها أبو جحيفة كانت في حجة الوداع وبينهما نحو سنتين، فالظاهر أنها هي تلك القبة لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يتأنق في مثل ذلك حتى يستبدل، فإذا وصفها أبو جحيفة بأنها حمراء في الوقت الثاني فلأن تكون حمرتها موجودة في الوقت الأول أولى. انتهى. قلت: هذا الذي ذكره غير موجه، وذلك أن قوله: حمل المطلق على المقيد، لا يصح أن يكون في مثل هذا الموضع على ما لا يخفى على المتأمل مع ما فيه من الخلاف، وبقية كلامه احتمال بعيد، والأحسن أن يقال: إن أنسا رضي الله تعالى، عنه اختصر فيه وترك ذكر لفظ: الحمراء، ثم إنه أخرج حديث أنس من طريقين. الأول: عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن مسلم الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه. والثاني: علقه عن الليث عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب، وهو الزهري، وساق الحديث على لفظ الليث، ووصله الإسماعيلي من طريق الرمادي: حدثنا أبو صالح حدثنا الليث حدثني يونس فذكره، وطريق شعيب قد مر في فرض الخمس مطولا، وفيه: فجمعهم في قبة من أدم... الحديث.
43 ((باب الجلوس على الحصير ونحوه)) أي: هذا باب فيه ذكر الجلوس على الحصير، وهو الذي يتخذ من سعف النخل وغيره. قوله: ونحوه، إشارة إلى الأشياء التي تبسط ويجلس عليها مما ليس له قدر.
5861 حدثني محمد بن أبي بكر حدثنا معتمر عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال: يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى ما دام وإن قل.
مطابقته للترجمة في قوله: (فيجلس عليه) أي: على الحصير. ومحمد بن أبي بكر هو المقدمي، ومعتمر هو ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وسعيد هو المقبري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهؤلاء الثلاثة من التابعين المدنيين.
والحديث مضى في الصلاة في: باب صلاة اليل عن إبراهيم بن المنذر، ومضى في الإيمان في: باب أحب الدين إلى الله من غير هذا الوجه.
قوله: (يحتجر) أي: يتخذ حجرة لنفسه، يقال: احتجر الأرض إذا ضرب عليها ما يمنعها به عن غيره، وفي رواية الكشميهني: يحتجز، بزاي في آخره. قوله: (يثوبون) بالثاء المثلثة أي: يجتمعون. قاله الكرماني: والأحسن أن يقال: يرجعون، لأنه من ثاب إذا رجع. قوله: (فأقبل) أي: النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (لا يمل) من الملال وهو كناية عن عدم القبول، والمعنى: فإن الله يقبل أعمالكم حتى تملوا فإنه لا يقبل ما يصدر منكم على سبيل الملالة، وأطلق الملال على طريق المشاكلة. وقال الخطابي: هو كناية عن الترك أي: لا يترك الثواب ما لم تتركوا العمل، وهذا أحسن من الأول. قوله: (ما دام) أي: دواما عرفيا، إذ حقيقة الدوام وهو شمول جميع الأزمنة غير مقدور، ووقع في رواية الكشهميهني: ما دوام. فإن قلت: يعارض حديث الباب ما رواه ابن أبي شيبة من طريق شريح بن هانىء أنه سأل عائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، والله يقول: * ((71) وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) * (الإسراء: 8). فقالت: لم يكن يصلي على الحصير. قلت: هذا ضعيف لا يقاوم ما في الصحيح، وأيضا يمكن، الجمع بأن يحمل النفي على المداومة، وقال بعضهم: لكن يخدش فيه ما ذكره شريح من الآية. قلت: لا خدش فيه أصلا، لأن معنى الآية: حصيرا، أي: محبسا، يقال للسجن: محصر وحصير.
44 ((باب المزرر بالذهب)) أي: هذا باب في ذكر لبس الثياب المزررة بالذهب، وهو المشدود بالأزرار.
5862 وقال الليث حدثني ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة أن أباه مخرمة قال له: يا بني!
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»