عمدة القاري - العيني - ج ٢٢ - الصفحة ١٧٤
((باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله * (ضيف إبراهيم المكرمين) * (الذاريات: 24)) أي: هذا باب في بيان مندوبية إكرام الضيف والإكرام مصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل تقديره: إكرام الرجل ضيفه وخدمته إياه، أي: الضيف بنفسه، وهذا تخصيص بعد التعميم لأن إكرام الضيف أعم من أن يكون بنفسه أو بأحد من خدمه وفيه زيادة تأكيد لا تخفى. قوله: * (ضيف إبراهيم المكرمين (الذاريات: 24) إنما ذكر هذا إشارة إلى أن لفظ الضيف يطلق على الواحد والجمع ولهذا وقع المكرمين صفة الضيف وجمع القلة منه أضياف وجمع الكثرة ضيوف وضيفان، يقال: ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة، وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به، وتضيفني إذا أنزلني.
قال أبو عبد الله: يقال: هو زور وهاؤلاء زور وضيف، ومعناه: أضيافه وزواره، لأنها مصدر مثل: قوم رضا وعدل، ويقال: ماء غور وبئر غور وما آن غور ومياه غور، ويقال: الغور الغائر لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة؛ تزاور تميل من الزور؛ الأزور الأميل.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه. وقوله: هذا إلى قوله: (ومياه غور) إنما ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني فقط قوله: يقال: (هو زور) أراد به أن لفظ: زور، يطلق على الواحد والجمع يقال هو الزور للواحد وهؤلاء القوم زور للجمع والحاصل أن لفظ زور مصدر وضع موضع الاسم، كصوم بمعنى الصائم ونوم معنى نائم، وقد يكون جمع زائر كركب جمع راكب. قوله: (ومعناه)، أي: معنى هؤلاء زور هؤلاء أضيافه وزواره بضم الزاي وتشديد الواو وهو جمع زائر. قوله: (لأنها مصدر) مثل قوم المثلية بينهما في إطلاق زور على زوار كإطلاق لفظ قوم على جماعة وليست المثلية في المصدرية لأن لفظ: قوم اسم وليس بمصدر بخلاف لفظ: زور فإنه في الأصل مصدر. قوله: (رضا وعدل) يعني: يقال قوم رضا بمعنى مرضيون، وقوم عدل بمعنى عدول، وتوصيفه بالمفرد باعتبار اللفظ لأنه مفرد وفي المعنى جمع. قوله: (ويقال: ماء غور) بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وبالراء ومعناه: غائر، أي: الذاهب إلى أسفل أرضه يقال: غار الماء يغور غؤورا وغورا والغور في الأصل مصدر فلذلك يقال: ماء غور وما آن ومياه غور، قوله: ويقال: الغور الغائر أي: الذاهب بحيث لا تناله الدلاء، وهكذا فسره أبو عبيدة. قوله: كل شيء غرت فيه أي: ذهبت فيه يسمى مغارة ويسمى غارا، وكهفا، وإنما قال: فهي، بالتأنيث نظرا للمغارة. قوله: (تزاور) أشار به إلى قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف: * (وترى الشمس.... عن كهفهم (الكهف: 17) أي: تميل وهو من الزور بفتح الواو بمعنى الميل، والأزور هو أفعل أخذ منه بمعنى الأميل، وتزاور أصله: تتزاور، فأدغمت إحدى التائين في الزاي.
6134 حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا روح بن عبادة حدثنا حسين عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن عبد الله بن عمرو قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: بلى. قال: فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا، وإنك عسى أن يطول بك عمر وإن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن بكل حسنة عشر أمثالها، فذلك الدهر كله، قال: فشددت علي. فقلت: فإني أطيق غير ذالك، قال: فصم من كل جمعة ثلاثة أيام، قال: فشددت فشدد علي. قلت: إني أطيق غير ذالك، قال: فصم صوم نبي الله داود. قلت: وما صوم نبي الله داود؟ قال: نصف الدهر.
مطابقته للترجمة في قوله: (وإن لزورك عليك حقا) والزور بفتح الزاي وسكون الواو وبالراء بمعنى الزائر وهو الضيف، وحقه يوم وليلة. واختلف في وجوبها: فأوجبها الليث بن سعد فرضا ليلة واحدة، وأجاز للعبد المأذون له أن يضيف مما في يده، واحتج بحديث عقبة، وقالت جماعة من أهل العلم: الضيافة من مكارم الأخلاق في باديته وحاضرته، وهو قول الشافعي. وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة، وقال سحنون: إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافرون، وحديث عقبة كان في أول الإسلام حين كانت المواساة واجبة، فأما إذا أتى الله بالخير والسعة فالضيافة مندوب إليها وقوله صلى الله عليه وسلم: جائزته في يوم وليلة، دليل على أن الضيافة ليست بفريضة، والجائزة في لسان العرب المنحة والعطية، وذلك تفضل وليس بواجب وحسين في السند هو المعلم.
والحديث قد مضى في كتاب الصوم في: باب حق الضيف في الصوم، ومضى الكلام فيه مشروحا.
قوله: (دخل علي) بتشديد الياء وفاعل دخل هو النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ألم أخبر؟) بلفظ المجهول. قوله: (أن يطول بك عمر) يعني: عسى أن تكون طويل العمر فتبقى ضعيف القوى كليل الحواس نهيك النفس فلا تقدر على المداومة عليه وخير الأعمال ما دام وإن قل. قوله: (وإن من حسبك) أي: من كفايتك ، ويروى: وأن حسبك أي: كافيك، ويحتمل زيادة: من علي رأي الكوفيين. قوله: (الدهر) بالرفع والنصب، أما الرفع فعلى تقدير هو الدهر كله، وأما النصب فعلى تقدير: أن تصوم الدهر.
((باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه وقوله * (ضيف إبراهيم المكرمين) * (الذاريات: 24)) أي: هذا باب في بيان مندوبية إكرام الضيف والإكرام مصدر مضاف إلى مفعوله، وطوى ذكر الفاعل تقديره: إكرام الرجل ضيفه وخدمته إياه، أي: الضيف بنفسه، وهذا تخصيص بعد التعميم لأن إكرام الضيف أعم من أن يكون بنفسه أو بأحد من خدمه وفيه زيادة تأكيد لا تخفى. قوله: * (ضيف إبراهيم المكرمين (الذاريات: 24) إنما ذكر هذا إشارة إلى أن لفظ الضيف يطلق على الواحد والجمع ولهذا وقع المكرمين صفة الضيف وجمع القلة منه أضياف وجمع الكثرة ضيوف وضيفان، يقال: ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة، وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به، وتضيفني إذا أنزلني.
قال أبو عبد الله: يقال: هو زور وهاؤلاء زور وضيف، ومعناه: أضيافه وزواره، لأنها مصدر مثل: قوم رضا وعدل، ويقال: ماء غور وبئر غور وما آن غور ومياه غور، ويقال: الغور الغائر لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة؛ تزاور تميل من الزور؛ الأزور الأميل.
أبو عبد الله هو البخاري نفسه. وقوله: هذا إلى قوله: (ومياه غور) إنما ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني فقط قوله: يقال: (هو زور) أراد به أن لفظ: زور، يطلق على الواحد والجمع يقال هو الزور للواحد وهؤلاء القوم زور للجمع والحاصل أن لفظ زور مصدر وضع موضع الاسم، كصوم بمعنى الصائم ونوم معنى نائم، وقد يكون جمع زائر كركب جمع راكب. قوله: (ومعناه)، أي: معنى هؤلاء زور هؤلاء أضيافه وزواره بضم الزاي وتشديد الواو وهو جمع زائر. قوله: (لأنها مصدر) مثل قوم المثلية بينهما في إطلاق زور على زوار كإطلاق لفظ قوم على جماعة وليست المثلية في المصدرية لأن لفظ: قوم اسم وليس بمصدر بخلاف لفظ: زور فإنه في الأصل مصدر. قوله: (رضا وعدل) يعني: يقال قوم رضا بمعنى مرضيون، وقوم عدل بمعنى عدول، وتوصيفه بالمفرد باعتبار اللفظ لأنه مفرد وفي المعنى جمع. قوله: (ويقال: ماء غور) بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وبالراء ومعناه: غائر، أي: الذاهب إلى أسفل أرضه يقال: غار الماء يغور غؤورا وغورا والغور في الأصل مصدر فلذلك يقال: ماء غور وما آن ومياه غور، قوله: ويقال: الغور الغائر أي: الذاهب بحيث لا تناله الدلاء، وهكذا فسره أبو عبيدة. قوله: كل شيء غرت فيه أي: ذهبت فيه يسمى مغارة ويسمى غارا، وكهفا، وإنما قال: فهي، بالتأنيث نظرا للمغارة. قوله: (تزاور) أشار به إلى قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف: * (وترى الشمس.... عن كهفهم (الكهف: 17) أي: تميل وهو من الزور بفتح الواو بمعنى الميل، والأزور هو أفعل أخذ منه بمعنى الأميل، وتزاور أصله: تتزاور، فأدغمت إحدى التائين في الزاي.
6135 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذالك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه.
مطابقته للترجمة في قوله: (فليكرم ضيفه). وأبو شريح، بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبالحاء المهملة واسمه خويلد بن عمرو وقيل، غير ذلك، وهو من بني عدي بن عمرو بن لحي أخي كعب بن عمرو، فلذلك قيل له: الكعبي، مات سنة ثمان وستين بالمدينة.
والحديث قد مضى في أوائل كتاب الأدب في: باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره.
قوله: (جائزته) على وزن فاعله من الجواز وهي العطاء لأنه حق جوازه عليهم، وقدرها الشارع بيوم وليلة لأن عادة المسافرين ذلك، وقال السهيلي: روي: جائزته، بالرفع على الابتداء وهو واضح وبالنصب على بدل الاشتمال أي: يكرم جائزته يوما وليلة. قوله: (والضيافة ثلاثة أيام) اختلف في أنه هل اليوم والليلة التي هي الجائزة داخلة في الثلاث أم لا؟ وإذا قلنا بدخولها يقدم له في
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»