قيل: هو إرعاد الحمى وتحريكه إياه. وقال الأصمعي: الوعك شدة الحر فكأنه أراد حر الحمى وشدتها، وفي (المحكم): الوعك الألم يجده الإنسان من شدة التعب. قوله: (إن ذاك) لفظ: ذاك، إشارة إلى تضاعف الحمى. قوله: (أجل) أي: نعم. قوله: (حات الله) بفتح الحاء المهملة وبعد الألف تاء مثناة مشددة وهو من باب المفاعلة، وأصله حاتت فأدغمت التاء في التاء أي: نثر الله عنه خطاياه، يقال: تحات الشيء أي: تناثر. قوله: (كما تحات) أي: كما يسقط ورق الشجر، وقال ابن الأثير: حاتت عنه ذنوبه أي: تساقطت، وقال الكرماني. فإن قلت: هذا يدل على ما صدقه بقوله: أجل، إذ ذاك يدل على أن في المرض زيادة الحسنات، وهذا يدل على أنه يحط الخطيئات؟ قلت: أجل تصديق لذلك الخبر فصدقه أو لأثم استأنف الكلام وزاد عليه شيئا آخر وهو حط السيئات، فكأنه قال: نعم يزيد الدرجات ويحط الخطيئات أيضا.
واختلف العلماء فيه فقال أكثرهم: فيه رفع الدرجة وحط الخطيئة، وقال بعضهم: إنه يكفر الخطيئة فقط.
3 ((باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول)) أي: هذا باب في بيان ما جاء من قوله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ولفظ الحديث ما رواه الترمذي: حدثنا قتيبة حدثنا شريك عن عاصم بن مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله؟ أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.. الحديث. وأخرجه ابن ماجة أيضا وابن بطال ذكر الترجمة بلفظ الحديث، وهو أولى قوله: (ثم الأول فالأول) هكذا وقع في رواية النسفي، وفي رواية الأكثرين: ثم الأمثل فالأمثل، مثل ما في الحديث، والمستملي جمعهما في روايته، ويمكن أن قوله: (ثم الأول فالأول) إشارة إلى ما أخرجه النسائي والحاكم وصححه من حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نساء نعوده، فإذا سقاء يقطر عليه من شدة الحمى، فقال: إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، وإنما قال أولا: ثم الأمثل بلفظ: ثم وقال ثانيا: فالأمثل، بالفاء للإعلام بالبعد والتراخي في المرتبة بين الأنبياء وغيرهم، وعدم ذلك بين غير الأنبياء إذ لا شك أن البعد بين النبي والولي أكثر من البعد بين ولي وولي، إذ مراتب الأولياء بعضها قريبة من البعض، ولفظ الأول تفسير للأمثل. إذ معنى الأول المقدم في الفضل، ولذا لم يعطف عليه بثم، والأمثل الأفضل.
5648 حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله! إنك توعك وعكا شديدا، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: ذالك أن لك أجرين؟ قال: أجل ذالك كذالك، ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.
مطابقته للترجمة من جهة قياس الأنبياء على نبينا صلى الله عليه وسلم، وإلحاق الأولياء بهم لقربهم منهم، وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، والسر فيه أن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد، ومن ثمة ضوعف حدا الحر على العبد، قاله الكرماني.
وهذا الحديث مضى قبل هذا الباء، غير أنه من طريق آخر وبينهما بعض زيادة ونقصان أخرجه عن عبدان وهو لقب عبد الله بن عثمان عن أبي حمزة بالحاء المهملة وبالزاي محمد بن ميمون السكري عن سليمان الأعمش عن إبراهيم التيمي عن عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، ومعناه قد مر هناك.
قوله: (أذى) التنكير للتقليل لا للجنس ليصح ترتب ما فوقها وما دونها في العظم والحقارة عليه بالفاء، وهو يحتمل وجهين: فوقها في العظم، ودونها في الحقارة. وعكس ذلك. قوله: (شوكة)، بالرفع بدل من أذى، أو بيان قوله: (سيئاته) جمع مضاف فيفيد العموم فيلزم منه تكفير جميع الذنوب صغيرة وكبيرة، نرجو ذلك منك يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين. قوله: (كما تحط) بفتح التاء وضم الحاء وتشديد الطاء المهلة أي: تلقيه منتثرا. وحاصل المعنى: أن المرض إذا اشتد ضاعف الأجر ثم زاد عليه بعد ذلك أن المضاعفة تنتهي إلى أن تحط السيئات كلها، وقد روى أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بلفظ: لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله، وليس عليه خطيئة.
4 ((باب وجوب عيادة المريض))