جاء النهي عن أن ينتبذا جميعا، لأن أحدهما يشد صاحبه. والخامس: أنه لا كراهة في شيء من ذلك، ولا بأس به، وهو قول أبي حنيفة في رواية عن أبي يوسف: قال النووي: أنكر عليه الجمهور، وقالوا: هذه منابذة لصاحب الشرع، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عنه، فإن لم يكن حراما كان مكروها. قلت: هذه جرأة شنيعة على إمام أجل من ذلك، وأبو حنيفة لم يكن قال ذلك برأيه، وإنما مستنده في ذلك أحاديث منها ما رواه أبو داود عن عبد الله الحربي عن مسعر عن موسى بن عبد الله عن امرأة من بني أسد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان ينبذ له زبيب فيلقي فيه تمر، أو تمر فيلقى فيه زبيب، وروى أيضا عن زياد الحساني: حدثنا أبو بحر حدثنا عتاب بن عبد العزيز حدثتني صفية بنت عطية قالت: دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة، رضي الله عنها، فسألنا عن التمر والزبيب، فقالت: كنت أخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فألقيه في الإناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وسلم، وروى محمد بن الحسن في (كتاب الآثار) أخبرنا أبو حنيفة عن ابني إسحاق وسليمان الشيباني عن ابن زياد: أنه أفطر عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسقاه شرابا فكأنه أخذ منه، فلما أصبح غدا إليه فقال له: ما هذا الشراب؟ ما كدت أهتدي إلى منزلي. فقال ابن عمر: ما زدناك على عجوة وزبيب. فإن قلت: قال ابن حزم: في الحديث الأول لأبي داود امرأة لم تسم، وفي الثاني أبو بحر لا يدري من هو عن عتاب، وهو مجهول عن صفية ولا يدري من هي؟ قلت: هذه ثلاثة أحاديث بشد بعضها بعضا على أن ابن عدي قال: أبو بحر مشهور معروف وله أحاديث غرائب عن شعبة وغيره من البصريين، وهو ممن يكتب حديثه، وفي (كتاب الساجي): قال يحيى بن سعيد: هو صدوق صاحب حديث، وهو عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عبد الرحمن بن أبي بكرة البكراوي، وذكره ابن شاهين وابن حبان في كتاب الثقات، وقال البخاري: لم يستبن لي طرحه. وقال أبو عمر وأحمد بن صالح العجلي: هو ثقة بصري، وفي (كتاب الصريفيين) ذكره ابن حبان في كتاب (الثقات) وخرج حديثه في (صحيحه) كذلك الحاكم وعتاب بن عبد العزيز، روى عنه يزيد بن هارون وأحمد بن سعيد الدارمي وآخرون، وذكره ابن حبان في (الثقات).
5602 حدثنامسلم حدثنا هشام أخبرنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين التمر والزهو والتمر والزبيب ولينبذ كل واحد منهما على حدة.
مطابقة الجزء الثاني للترجمة ظاهرة. والحديث يدل على منع الجمع بين الإدامين، أشار إليه في الترجمة بقوله: وأن لا يجعل إدامين في إدام.
ومسلم هو ابن إبراهيم، وهشام هو الدستوائي وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري.
والحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضا عن يحيى بن أيوب وعن آخرين. وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه النسائي في الوليمة عن يحيى بن درست. وأخرجه ابن ماجة في الأشربة عن هشام بن عمار.
قوله: (والزهو) بفتح الزاي وسكون الهاء وهو الملون من البسر. قوله: (ولينبذ) على صيغة المجهول، وفي رواية مسلم: لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا، ولا تنتبذوا الزبيب والتمر جميعا وانتبذوا كل واحد منهما على حدته. قوله: (منهما) إنما ثنى الضمير ولم يقل: منها باعتبار أن الجمع بين الاثنين لا بين الثلاثة أو الأربعة أي من كل اثنين منها، فيكون الجمع بين أكثر بطريق الأولى. قوله: (على حدة) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدال أي على انفراده. وقال بعضهم: بعدها هاء تأنيث. قلت: ليس كذلك، بل هذه التاء عوض عن الواو التي في أوله، لأن أصله: وحد، فلما حذفت الواو عوضت عنها التاء كما في: عدة أصلها: وعد، فلما حذفت الواو تبعا لفعله عوضت عنها التاء، وفي رواية الكشميهني: على حدته، بالهاء بعد التاء.
وفيه: كراهة الجمع بين الإدامين ولكن كراهة تنزيه لا تحريم. واختلف في وجه النهي، فقيل: لضيق العيش، وقيل: للسرف، وقال المهلب: لا يصح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن خلط الأدم، وإنما روي ذلك عن عمر رضي الله عنه من أجل السرف لأنه كان يمكن أن يأتدم بأحدهما ويرفع الآخر إلى مرة أخرى.