عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٦٦
التخيير بين النكاح والتسري، فالتسري لا يجب بالاتفاق، فكذالك النكاح لأنه لا يصح التخيير بين واجب وغيره، وعند الشافعي: التخلي للعبادة أفضل لقوله عز وجل في يحيى عليه الصلاة والسلام وسيدا وحصورا وهو الذي لا يأتي النساء مع القدرة بن علي إتيانهن، فمدح الله به، ولو كان النكاح أفضل ما مدح به والجواب عنه أن الشافعي لا يرى شرع من قبلنا شرعا لنا، فكيف يحتج بما لا يراه؟ ونحن نقول: شرع لنا ما لم ينص الله بن علي إنكاره. وقال الشافعي: إن النكاح معاملة فلا فضل لها بن علي العبادة. قلنا: هذا نظر إلى ظاهره دون معناه، وليس له أن ينظر إلى الصور ويترك المعاني، فإنه ليس من أصله ذلك، ولو كان التخلي للعبادة خيرا من النكاح نظرا إلى صورته ما قطع النبي صلى الله عليه وسلم وحكم الصورة بالسنة، وليس في مدح حال يحيى، عليه الصلاة والسلام، ما يدل بن علي أنه أفضل من النكاح، فإن مدح الصفة في ذاتها لا يقتضي ذم غيرها ذلك أن النكاح لم يفضل بن علي التخلي للعبادة بصورته، وإنما تميز عنه بمعناه في تحصين النفس، وبقاء الولد الصالح وتحقيق المنة في النسب والصهر، فقضاء الشهوة في النكاح ليس مقصودا في ذاته، وإنما أكد النكاح بالأمر قولا، وأكده بخلق الشهوة خلقة حتى يكون ذلك أدعى للوفاء بمصالحه، والتيسير بمقاصده، وهذا أمر تفطن له أبو حنيفة، رضي الله تعالى عنه. ومن قال بقوله: ومن الثابت برهانه بن علي فضيلة النكاح أنه يجوز مع الإعسار، ولا ينتظر به حالة الثروة، بل هو سببها أن كانا فقيرين. قال الله تعالى: * (أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * (النور: 23) فندب إليه ووعد به الغني، وقد سبق حديث الرجل الذي لم يجد خاتما من حديد يصدق به زوجته، وهو نص بن علي نكاح من لا يقدر بن علي فطر ليلة بنائه بها، ولا شك أن الترجيح يتبع المصالح ومقاديرها مختلفة، وصاحب الشرع صلى الله عليه وسلم أعلم بتلك المقادير والمصالح.
4605 حدثنا علي سمع حسان بن إبراهيم عن يونس بن يزيد عن الزهري قال: أخبرني عروة أنه سأل عائشة عن قوله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذالك أدنى ألا تعولوا) * (النساء: 3) قالت: يا ابن أختي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها يريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداقها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (فيرغب في مالها وجمالها) ولكن فرق بين ترغيب وترغيب.
وعلي هو ابن المديني، وجزم به الحافظ المزي تبعا لأبي مسعود، وحسان بن إبراهيم العنزي، بفتح العين المهملة والنون وبالزاي الكرماني، كان قاضي كرمان ووثقه ابن معين وغيره، ولكن له أفراد، وقال ابن عدي: وهو من أهل الصدق إلا أنه ربما غلط، والبخاري أدركه بالسن، ولكن لم يلقه، مات سنة ست ومائتين قبل أن يرحل البخاري، وعروة بن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وعائشة خالته، رضي الله تعالى عنهم، والحديث قد مضى في تفسير سورة النساء بأتم منه، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (في حجر) بفتح الحاء وكسرها. قوله: (بأدنى من سنة صداقها) أي: بأقل من مهر مثلها.
2 ((باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم الباءة فليتزوج لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح)) أي: هذا باب في قوله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع): إلى آخره، ولم يقع في بعض النسخ لفظة: منكم لأنه تصرف فيه، ولم يذكر هذه اللفظة. قوله: لأنه وقع هكذا في رواية السرخسي، والأولى فإنه، لأنه لفظ الحديث، وبقيته قوله: أي لأن التزوج دل عليه قوله: فليتزوج. كما في قوله تعالى: * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8) أي: العدل. قوله: (وهل يتزوج) إلى آخره من الترجمة، وهو عطف بن علي قوله: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم)، والتقدير: وباب هل يتزوج. قوله: (لا أرب له) بفتح الهمزة والراء أي: لا حاجة
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»