يأمر بالإلحاق إلا لأبي أسيد، فأين المواجهة لها بذلك؟ وكذلك قوله وأمره أبا أسيد بالإلحاق بعد الخروج، لا ينافيه غير صواب لأن عدم المنافاة إنما يكون لو قال لها صلى الله عليه وسلم: إلحقي بأهلك ثم قال لأبي أسيد: ألحقها بأهلها، ولم يكتف بما قال هذه المقالة حتى يقول: بل يعضده، وكيف يعضده شيء لم يقله؟ وهذا عجيب جدا ومما يؤكده ما قلناه ما قاله ابن بطال: ليس في هذا أنه واجهها بالطلاق، واعترض عليه بعضهم بأن ذلك ثبت في حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، أول أحاديث الباب، فيحمل بن علي أنه قال لها: إلحق بأهلك، ثم لما خرج إلى أبي أسيد قال له: ألحقها بأهلها، فلا منافاة، فالأول قصد به الطلاق، والثاني أراد به حقيقة اللفظ، وهو أن يعيدها إلى أهلها انتهى. قلت: يرد هذا الاعتراض بما رددنا به كلام الكرماني، لأن كلاميهما من وجه واحد، وأعجب من الكل أن بعضهم نقل كلام الكرماني برمته بطريق الإدماج حيث قال: واعترض بعضهم بأنه لم يتزوجها، إذ لم يجر ذكر صورة العقد، وساقه مثل ما قاله الكرماني، لكن بتغيير العبارة، ورضي به حيث قال في آخر كلامه: ويؤيده قوله في رواية لابن غسيل أنه اتفق مع أبيها بن علي مقدار صداقها، وأن أباها قال له: أنها رغبت فيك وحطت إليك، انتهى. قلت: سبحان الله ما أبعد هذا عن المقصود، لأن الكلام في أمر المواجهة وعدمها، وقد ذكرنا وجه ذلك من غير تعميق فيما لا ينبغي.
ثم إن البخاري أخرج هذا الحديث عن أبي نعيم وهو الفضل بن دكين يروي عن عبد الرحمن بن غسيل بدون الألف واللام في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي: عبد الرحمن بن الغسيل، بالألف واللام وعبد الرحمن هذا هو ابن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري، وحنظلة هو غسيل الملائكة، استشهد بأحد وهو جنب فغسلته الملائكة، وقصته مشهورة وعبد الرحمن المذكور نسب إلى جد أبيه، ولعل الرواية كانت ابن غسيل الملائكة، فسقطت لفظة: الملائكة، وعوضت عنها الألف واللام، وحمزة بن أبي أسيد بضم الهمزة وفتح السين، يروي عن أبيه أبي أيد، واسمه مالك بن ربيعة بن البدن بالباء الموحدة والنون، وقيل: البدي بالياء آخر الحروف، وهو تصحيف ابن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بالمدينة سنة ستين فيما ذكره المدائني، وهو آخر من مات من البدريين. والحديث من أفراده.
قوله: (إلى حائط)، هو البستان من النخيل إذا كان عليه جدار. قوله: (الشوظ) بفتح الشين المعجمة وسكون الواو في آخره ظاء معجمة، وقيل: مهملة، وهو بستان في المدينة معروف. قوله: (ودخل) أي: إلى الحائط. قوله: (وقد أتى) بن علي صيغة المجهول. قوله: (بالجونية) نسبة إلى الجون، قال الكرماني بضم الجيم، قلت: ليس كذلك بل بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون، وقال ابن الأثير: بنو الجون قبيلة من الأزد، وقال الرشاطي: الجون في كندة وفي الأزد، فالذي في كندة الجون وهو معاوية بن حجر آكل المرار، وساقه إلى كندة، ثم قال: منهم أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث بن شراحيل بن كندة تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعوذت منه فطلقها، وقال ابن حبيب: والجونية امرأة من كندة وليست بأسماء، والذي في الأزد الجون بن عوف بن مالك، وقال الكرماني: اسم الجونية أمامه. قوله: (في بيت في نخل في بيت) كلها بالتنوين. قوله: (أميمة) بالرفع بدل عن الجونية أو عطف بيان لها وهي بنت النعمان بن شراحيل، بفتح الشين المعجمة وتخفيف الراء وكسر الحاء المهملة. قوله: (ومعها دايتها) بالدال المهملة وبعد الألف ياء آخر الحروف المفتوحة بالتاء المثناة من فوق قال: أي ظئرها، وقال بعضهم: الظئر المرضع، قلت: ليس كما قال، وإنما الداية هي المرأة التي تولد الأولاد، وهي القابلة، وهو لفظ معرب. قوله: (هي) أمر للمؤنث من وهب يهب وأصله: أوهبي حذفت الواو تبعا لفعله المضارع، واستغنيت عن الهمزة فصارت هي بن علي وزن بن علي قوله: (للسوقة)، بضم السين المهملة، يقال للواحد من الرعية والجمع، وإنما قيل لهم ذلك لأن الملك يسوقهم فيساقون له بن علي مراده، وأما أهل السوق فالواحد منهم يسمى سوقيا وقال الجوهري: السوقة خلاف الملك، ولم تعرف النبي صلى الله عليه وسلم، لا وكانت بعد ذلك تسمي نفسها بالشقية. قوله: فأهوى بيده أي أمالها إليها، ووقع في رواية لابن سعد: فأهوى إليها ليقبلها. قوله: (فقالت أعوذ بالله منك)، روى ابن سعد عن هشام بن محمد عن عبد الرحمن بن الغسيل بإسناد حديث الباب: أن عائشة وحفصة، رضي الله تعالى عنهما، دخلتا عليها أول ما قدمت، فمشطتاها وخضبتاها، وقالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا