عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٢٠٦
الله، وإن من الخيلاء ما يحبه الله ومنها ما ببغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. وابن جابر بن عتيك هذا قال المزي في (التهذيب) لعله عبد الرحمن؟ قال شيخنا: ليس هو عبد الرحمن، وإنما هو أبو سفيان بن جابر بن عتيك لم يسم، وقد بين ذلك ابن حبان في (صحيحه) وذكره في الثقات، وحديث عقبة بن عامر، رضي الله تعالى عنه، رواه أحمد في (مسنده) قال: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غيرتان إحداهما يحبها الله عز وجل والأخرى يبغضها الله عز وجل: الغيرة في الريبة يحبها، والغيرة في غيرها يبغضها الله....) الحديث. وقال شيخنا: لكن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فرب رجل شديد التخيل فيظن ما ليس بريبة ريبة، ورب رجل متساهل في ذلك فيحمل الريبة بن علي محمل يحسن به ظنه.
0225 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أحد أغير من الله من أجل ذالك حرم الفواحش، وما أحد أحب إليه المدح من الله.
) مطابقته للترجمة ظاهرة.
ورجاله قد ذكروا غير مرة، وحفص هو ابن غياث والأعمش هو سليمان، وشقيق هو ابن سلمة، وعبد الله هو ابن مسعود.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في التوحيد بهذا السند. وأخرجه مسلم في التوبة عن عثمان ب أبي شيبة وغيره وأخرجه النسائي في التفسير عن أبي كريب وغيره.
قوله: (ما من أحد) كلمة: من زائدة وزيادتها في النفي لا خلاف فيه، والخلاف في زيادتها في الإثبات. قوله: (أغير) أفعل التفضيل، وقد مر معنى الغيرة في حق الله عز وجل ويجوز في أغير الرفع والنصب بتاء بن علي اللغتين الحجازية والتميمة في كلمة ما قوله: (من أجل ذلك) أي: من أجل أن الله أغير من كل أحد (حرم الفواحش) وهو جمع فاحشة وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال، وقال ابن الأثير: الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا. قوله: (ما أحد) بالرفع لأنه اسم: ما وقوله: (أحب) بالنصب خبرها إن جعلتها حجازية، وترفعه بن علي أنه خبر لأحد إن كانت تميمية. وقوله: (المدح) مرفوع لأنه فاعل أحب. وقال الكرماني: وهو مثل مسألة الكحل، ويروى بالرفع بن علي إلغاء عمل: ما قيل: ولا يجوز أن يرفع أحب بن علي أنه خبر للمدح أو مبتدأ و المدح خبره، لأنك تكون حينئذ تفرق بين الصلة والموصول بالخبر لأن من الله، صلة أحب، وتمامه: فلا تفرق بين تمام المبتدأ وصلته بالخبر الذي هو المدح وحقيقة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أحد أحب إليه المدح من الله، إنه مصلحة للعباد لأنهم يثنون عليه سبحانه وتعالى فيثيبهم فينتفعون، والله سبحانه غني عن العالمين لا ينفعه مدحهم ولا يضره تركهم ذلك.
وفيه: تنبيه بن علي فضل الثناء عليه وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وسائر الأذكار.
1225 حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أمة محمد! ما أحد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني، يا أمة محمد! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.
مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا حديث مختصر من حديث الكسوف.
وأخرجه النسائي أيضا في النعوت عن قتيبة وعن محمد بن سلمة.
قوله: (أو أمته تزني)، هكذا وقع في صلاة الكسوف في: باب الصدقة في الكسوف: (يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) قال بعضهم: الذي يظهر أنه من سبق القلم هنا، أو لعل لفظه تزني سقطت هنا غلطا من الأصل فأخرها الناسخ عن محلها. قلت: لا يحتاج هنا إلى نسبة هذا إلى الغلط وتصرف الناسح بغير وجه فإن قوله: (تزني) يجوز فيه التذكير والتأنيث، فالتذكير بالنظر إلى أنه خبر عن العبد في الأصل، والتأنيث بالنظر إلى أنه خبر عن الأمة. قوله: (ما أعلم) أي: من شؤم الزنا ووخامة عاقبته، أو ما أعلم من أحوال الآخرة وأهوالها.
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»