مات زوجها خنيس بن حذافة فصارت أيما، وذكر الدارقطني أن تأيم حفصة من ابن حذافة أنه طلقها، وقال أبو عمر وغيره: إنه توفي عنها من جراحة أصابته بأحد، وعلى هذين القولين يحمل قول من قال: تزوج حفصة بعد ثلاثين شهرا من الهجرة، ورواية من روي سنتين في عقب بدر، ورواية من روي: توفي زوجها بعد خمسة وعشرين شهرا، وقال أبو عمر: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أكثرهم في سنة ثلاث من الهجرة، وقال أبو عبيدة: تزوجها سنة ثنتين من التاريخ، وماتت حفصة حين بايع الحسن بن علي، رضي الله تعالى عنهما، لمعاوية، وذلك في جمادى سنة إحدى وأربعين، وقيل: في خمس وأربعين. قوله: (من خنيس) بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف ثم سين مهملة: ابن حذافة، بضم الحاء المهملة ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي السهمي، وكان من المهاجرين الأولين شهد بدرا بعد هجرته إلى أرض الحبشة، ثم شهد أحدا ونالته ثم جراحة مات منها بالمدينة. وقال ابن طاهر: قال يونس عن الزهري: خنيس، بفتح الخاء المعجمة وكسر النون، وكل معمر بن راشد يقول: حبيش، بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف ثم شين معجمة. وقال الجياني: روي أن معمرا كان يصحف في هذا الاسم، فيقول: حبيش، وروي ابن المديني عن هشام بن يوسف قال: قال معمر في حديث: تأيمت حفصة، فقال: من حبيش بن حذافة؟ فرد عليه: خنيس فقال: لا بل هو حبيش. وقال الدارقطني: وقد اختلف بن علي عبد الرزاق عن معمر فروى عنه خنيس، بالسين المهملة بن علي الصواب، وروي عنه: خنيس أو حبيش بن علي الشك، وذكره البخاري وموسى بن عقبة ويونس وابن أخي الزهري بن علي الصواب بخاء معجمة بعدها نون. قوله: (فعرضت عليه حفصة)، فيه: عرض الرجل وليته إذا كان بن علي كفء ليس بمنقصة عليه. قوله: (سأنظر في أمري) أي: أتفكر، ويستعمل النظر أيضا بمعنى الرأفة، لكن تعديته باللام، وبمعنى الروية وهو الأصل وبعدي بإلى، وقد يأتي بغير صلة بمعنى الانتظار. قوله: (فصمت أبو بكر)، أي: سكت وزنا ومعنى. قوله: (ولم يرجع)، بفتح الياء، وهذا تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أنه صمت زمانا ثم تكلم. قوله: (وكنت أوجد عليه)، أي: أشد بن علي أبي بكر موجدة أي غضبا (مني بن علي عثمان) وذلك لأمرين: أحدهما: ما كان بينهما من محبة أكيدة. والثاني: أن عثمان أن أجابه أولا ثم اعتذر له ثانيا، ولكون أبي بكر لم يعد عليه جوابا. وقال الكرماني في قوله: وكنت أوجد عليه نفسه هو المفضل والمفضل عليه، لكن الأول باعتبار أبي بكر، رضي الله تعالى عنه. والثاني باعتبار عثمان رضي الله عنه قوله: (لعلك وجدت علي) هذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: لقد وجدت علي والأول هو الأجه. قوله: (فلم أرجع) بكسر الجيم أي: لم أعد عليك الجواب. قوله: (لأفشي) بضم الهمزة من الإفشاء وهو الإظهار، وقال ابن بطال: كان إسرار النبي صلى الله عليه وسلم تزويج حفصة لأبي بكرعلى سبيل المشورة، أو لأنه علم قوة إيمان أبي بكر، وأنه لا يتغير لذلك لكون ابنته عند النبي صلى الله عليه وسلم وكتمان أبي بكر لذلك خشية أن يبدو للنبي صلى الله عليه وسلم في نكاحها أمر فيقع في قلب عمر ما وقع في قلبه لأبي بكر.
وفي هذا الحديث فوائد.
فيه: أن من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار وعليه أن يخبر بعد ذلك بما عنده لئلا يمنعها من غيره، لقول عثمان بعد ليال: قد بدا ليأن لا أتزوج. وفيه: الاعتذار اقتداء بعثمان في مقالته هذه وفيه: كتمان السر، فإن أظهره الله أو أظهره صاحبه جاز للذي أسر إليه إظهاره. وفيه: أنه يجوز للرجل أن يذكر لأصحابه ولمن يثق به أنه يخطب امرأة قبل أن يظهر خطبتها وفيه: الرخصة في تجويز من عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بخطبة أو أراد أن يتزوجها ألا ترى إلى قول الصديق: لو تركها تزوجتها؟ وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد النبي صلى الله عليه وسلم عليها النكاح ولم يدخل بها. وأن الصديق كرهه ورخص فيه عمر، رضي الله تعالى عنه، وروي داود بن أبي هند عن عكرمة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من كندة يقال لها: قيلة، فمات ولم يدخل بها ولا حجبها، فتزوجتها عكرمة بن أبي جهل فغضب أبو بكر وقال: تزوجت امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: ما هي من نسائه، ما دخل بها ولا حجبها، ولقد ارتدت مع من ارتد فسكت. وقال صاحب التوضيح وفيه: فساد قول من قال: إن للمرأة البالغة المالكة أمرها تزويج نفسها وعقد النكاح عليها دون وليها انتهى. قلت: نسبة هذا القول إلى الفساد من الفساد، لأن من قال هذا لم يقل من عنده، وإنما اعتمد بن علي حجة قوية، وهي ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة