عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ٦٦
وإحدى وتسعون كلمة، وثمان وتسعون آية.
(بسم الله الرحمان الرحيم) ثبتت البسملة للكل.
وقال ابن عيينة المخبتين المطمئنين أي: قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى: * (وبشر المخبتين) * (الحج: 43) أي: (المطمئنين) كذا ذكره ابن عيينة في تفسيره عن ابن جريج عن مجاهد، وقيل: المطمئنين بأمر الله، وقيل: المطيعين، وقيل: المتواضعين، وقيل: الخاشعين وهو من الإخبات والخبت بفتح أوله المطمئن من الأرض.
وقال ابن عباس في: * (إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * (الحج: 25) إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته.
أي: قال ابن عباس في قوله عز وجل: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) *... الآية، وهذا التعليق رواه أبو محمد الرازي عن أبيه: حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عنه، وقد تكلم المفسرون في هذه الآية أشياء كثيرة، والأحسن منها ما قاله أبو الحسن بن علي الطبري: ليس هذا التمني من القرآن والوحي في شيء وإنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا صفرت يده من المال ورأى ما بأصحابه من سوء الحال تمنى الدنيا بقلبه ووسوسة الشيطان، وأحسن من هذا أيضا ما قاله بعضهم: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها. قلت: تلك الكلمات هي ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم فلما بلغ: * (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) * (النجم: 91) ألقى الشيطان على لسانه.
* تلك الغرانيق العلى * وإن شفاعتهن لترتجى * فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية وروي هذا أيضا من طرق كثيرة، وقال ابن العربي: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وقال عياض: هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا من تكلم بهذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحبه، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة. وقال بعضهم: هذا الذي ذكره ابن العربي وعياض لا يمضي على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا. انتهى.
قلت: الذي ذكراه هو اللائق بجلالة قدر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد قامت الحجة واجتمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وحاشاه عن أن يجري على قلبه أو لسانه شيء من ذلك لا عمدا ولا سهوا. أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله عز وجل لا عمدا ولا سهوا. والنظر والعرف أيضا يحيلان ذلك ولو وقع لارتد كثير ممن أسلم، ولم ينقل ذلك ولا كان يخفى على من كان بحضرته من المسلمين. قوله: (من رسول ولا نبي) الرسول هو الذي يأتيه جبريل عليه الصلاة والسلام، بالوحي عيانا وشفاها، والنبي هو الذي تكون نبوته إلهاما أو كلاما، فكل رسول نبي بغير عكس. قوله: (إذا تمنى) أي: إذا أحب واشتهى، وحدثت به نفسه مما لم يؤمر به. قوله: (في أمنيته)، أي: مراده، وقال ابن العربي: أي في قراءته، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
ويقال أمنيته قراءته إلا أماني يقرؤون ولا يكتبون هو قول الفراء فإنه قال: معنى قوله: (إلا إذا تمنى)، إلا إذا تلى قال الشاعر:
* تمنى كتاب الله أول ليلة * تمني داود الزبور على رسل *
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»