عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ٣٠٤
المروزي يلقب بسلمويه، بفتح السين المهلمة وفتح اللام وسكونها وضم الميم، وهو أيضا مروزي يقال: اسم أبيه داود كان من أخصاء عبد الله بن المبارك والمكثرين عنه، وقد أدركه البخاري بالسن لأنه مات سنة عشر ومائتين، وما له في البخاري إلا هذا الحديث، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس بن يزيد من الزيادة الأيلي، وهذا من الغرائب إذ البخاري كثيرا يروي عن ابن المبارك بواسطة شخص واحد مثل عبدان وغيره وهنا روى عنه بثلاث وسائط وهذا الحديث من ثمانيات البخاري.
قالت كان أول ما بدي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه قال والتحنث التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتردد لذالك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارىء قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: * (اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم) * الآيات (العلق: 1، 4) إلى قوله: * (علم الإنسان ما لم يعلم) * (العلق: 5) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع. قال لخديجة: أي خديجة: ما لي لقد خشيت على نفسي فأخبرها الخبر قالت خديجة: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا فوالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرءا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت خديجة يا عم اسمع من ابن أخيك قال ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال ورقة هاذا الناموس الذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا وذكر حرفا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم؟ قال ورقة: نعم لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قد مر الكلام في شرحه مستوفى ولكن نذكر بعض شيء لبعد المسافة. قوله: (قالت)، أي: عائشة، رضي الله تعالى عنها، وقال النووي: هذا من مراسيل الصحابة لأن عائشة لم تدرك هذه القصة، ووفق بعضهم كلامه بأن المرسل ما يرويه الصحابي من الأمور التي لم يدرك زمانها بخلاف الأمور التي يدرك زمانها فإنها لا يقال: إنها مرسلة، بل يحمل على أنه سمعها أو حضرها، وعائشة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم تحضرها، والدليل عليه قولها في أثناء الحديث فجاءه الملك فقال: اقرأ إلى قوله: فأخذني فغطني، فظاهر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها بذلك فيحمل بقية الحديث عليه فليتأمل. قوله: (من الوحي) أي: إلى الوحي قاله
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»