عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ٢٩٢
من الإثم أي: قال مجاهد في قوله عز وجل: * (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) * (البلد: 1، 2) هي: مكة، ويروى: بمكة، ومعنى: حل أنت يا محمد حلال بهذا البلد في المستقبل تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر وذلك أن الله عز وجل أحل لنبيه يوم الفتح حتى قتل من قتل وأخذ ما شاء وحرم ما شاء، فقتل ابن خطل وأصحابه وحرم دار أبي سفيان. وقال الواسطي: المراد المدينة حكاه في (الشفاء) والأول أصح لأن السورة مكية، وروى قول مجاهد: (وأنت حل بهذا البلد) مكة الحنظلي عن أحمد بن سنان الواسطي حدثنا ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن مجاهد، وقاله أيضا عطاء وقتادة وابن زيد، وروى قوله: (ليس على الناس من الإثم) الطبري عن ابن حميد: حدثنا مهران عن سفيان عن منصور عنه، وعن محمد بن عمرو: حدثنا أبو عاصم حدثنا عيسى عن ورقاء عن ابن ابن نجيح عنه ووالد: آدم وما ولد أشار به إلى قوله تعالى: * (ووالد وما ولد) * (البلد: 3) وفسر ذلك بقوله آدم وما ولد أي: آدم وأولاده، وقيل: إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه من نسله، وعن عكرمة وسعيد بن جبير الوالد الذي يولد له وما ولد العاقر الذي لا يولد له. وهي رواية عن ابن عباس، وعلى هذا يكون: ما، نفيا. وقال الثعلبي: وهو بعيد ولا يصح إلا بإضمار، والصحيح عن ابن عباس، ووالد وولده.
لبدا: كثيرا أشار به إلى قوله تعالى يقول: * (أهلكت مالا لبدا) * (البلد: 6) وفسر: (لبدا) بقوله: (كثيرا). قوله: (يقول)، أي: الوليد بن المغيرة أهلكت أنفقت مالا لبدا أي مالا كثيرا بعضه على بعض في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم واللبد من التلبيد وهو كون الشيء بعضه على بعض، ومنه اللبد، وقرئ بتشديد الباء وتخفيفها.
والنجدين: الخير والشر أشار به إلى قوله تعالى: * (وهديناه النجدين) * (البلد: 01) يعني: سبيل الخير وسبيل الشر، وكذا روي عن مجاهد وأكثر المفسرين على هذا، وعن ابن عباس. قال: النجدين الثديين وإليه ذهب سعيد بن المسيب والضحاك، والنجد في الأصل الطريق في ارتفاع.
مسغبة: مجاعة أشار به إلى قوله تعالى: * (أو إطعام في يوم ذي مسبغة) * (البلد: 41) أي: مجاعة.
متربة: الساقط في التراب أشار به إلى قوله تعالى: * (أو مسكينا ذا متربة) * (البلد: 61) وفسره بقوله: (الساقط في التراب) وروى ابن عيينة من طريق عكرمة عن ابن عباس. قال: هو الذي ليس بينه وبين الأرض شيء، وروى الحاكم من طريق حصين عن مجاهد عن ابن عباس قال: المطروح الذي ليس له بيت.
يقال * (فلا اقتحم العقبة فلم يقتحم العقبة في الدنيا ثم فسر العقبة فقال: * (وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة) * جملة معترضة، ومعنى فك رقبة: أعتق رقبة كانت فداءه من النار. وعن عكرمة فك رقبة من الذنوب بالتوبة. قوله: (أو إطعام في يوم ذي مسبغة) (البلد: 21، 41).
لما ذكر المسغبة والمتربة شرع في بيان ما يفعل بذي مسبغة وبذي متربة، فقال فلا اقتحم العقبة في الدنيا يعني: فلم يجاوز هذا الإنسان العقبة في الدنيا فيأمن، والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة، ثم عظم أمر العقبة فأشار إليه بقوله: (وما أراك ما العقبة) وكل شيء قال: وما أدراك، فإنه أخبره به وما قال: وما يدريك فإنه لم يخبره به ثم فسر العقبة بقوله: (فك رقبة) إلى قوله: (متربة) وشبه عظم الذنوب وثقلها على مرتكبها بعقبة فإذا أعتق رقبة وعمل عملا صالحا كان مثله مثل من اقتحم العقبة التي هي الذنوب حتى تذهب وتذوب كمن يقتحم عقبة فيستوي عليها ويجوزها، وذكر عن ابن عمر: أن هذه العقبة جبل في جهنم، وعن الحسن وقتادة، هي عقبة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله تعالى، وعن مجاهد والضحاك والكلبي، هي الصراط يضرب على جهنم كحد السيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا وأن بجنبيه كلاليب وخطأ طيف كشوك السعدان، وعن كعب: هي سبعون دركة في جهنم. قوله: (فك رقبة) بدلا من اقتحم العقبة أو إطعام عطف عليه. قوله: (وما أدراك ما العقبة)، (البلد: 21) مجاعة يتيما ذا مقربة أي: ذا قرابة * (ومسكينا ذا متربة) * قد لصق بالتراب من الفقر فليس له مأوى إلا التراب، والمسبغة والمقربة والمتربة مفعلات من سغب إذا جاع، وقرب في النسب، وترب إذا افتقر، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: فك، بفتح الكاف وأطعم بفتح الميم على الفعل كقوله: ثم كان والباقون بالإضافة على الاسم.
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»