عمدة القاري - العيني - ج ١٩ - الصفحة ١٩٨
ثم قرأت: * (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) * (الأنعام: 301). * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) * (الشورى: 15) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: * (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) * (لقمان: 43) ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) * (المائدة: 76) الآية ولاكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين.
.
مطابقته للسورة ظاهرة. ويحيى هذا إما ابن موسى الختي بالخاء المعجمة وتشديد التاء المثناة من فوق، وإما ابن جعفر البلخي البيكندي، وعامر هو الشعبي.
والحديث أخرجه البخاري في التفسير وفي التوحيد مطلقا عن محمد بن يوسف وفي التوحيد أيضا وقال محمد إلى آخره وأخرجه مسلم في الإيمان عن محمد بن عبد الله وغيره وأخرجه الترمذي في التفسير عن أحمد بن منيع وغيره وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن المثنى وغيره.
قوله: (يا أمتاه)، بزيادة الألف والهاء، وقال الخطابي: هم يقولون في النداء: يا أبه أمه إذا وقفوا فإذا وصلوا قالوا: يا أبت ويا أمت، وإذا فتحوا للنعدبة قالوا: يا أبتاه ويا أمتاه، والهاء الوقف. وقال الكرماني، هذا ليس من باب الندبة إذ ليس ذلك تفجعا عليها. وقال بعضهم: أصله يا أم فأضيف إليها ألف الاستغاثة فأبدلت تاء وزيدت هاء السكت بعد الألف. قلت: لم يقل أحد ممن يؤخذ عنه أن الألف فيه للاستغاثة وأين الاستغاثة هاهنا. قوله: (لقد قف شعري)، أي: قام من الفزع لما حصل عندها من هيبة الله عز وجل، وقال النضر بن شميل: القفة: بفتح القاف وتشديد الفاء، كالقشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لأن الجلد ينقبض عند الفزع فيقوم الشعر لذلك. قوله: (أين أنت من ثلاث)، أي: أين فهمك يغيب من استحضار ثلاثة أشياء؟ فينبغي لك أن تستحضرها ليحبط علمك بكذب من يدعي وقوعها. قوله: (من حدثكهن)، أي: من حدثك هذه الثلاث فقد كذب. قوله: (من حدثك أن محمدا رأى ربه)، هذا هو الأول من الثلاث وهو أن من يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه يعني ليلة المعراج فقد كذب في إخباره، ثم استدلت عائشة على نفي الرؤية بالآيتين المذكورتين إحداهما هو قوله: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) وجه الاستدلال بها أن الله عز وجل نفى أن تدركه الأبصار، وعدم الإدراك يقتضي نفي الرؤية بأن المراد بالإدراك الإحاطة وهم يقولون بهذا أيضا وعدم الإحاطة لا يستلزم نفي الرؤية. وقال النووي: لم تنف عائشة الرؤية بحديث مرفوع، ولو كان معها في حديث لذكرته، وإنما اعتمدت الاستنباط على ما ذكرت من ظاهر الآية، قد خالفها غيرها من الصحابة، والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن ذلك القول حجة اتفاقا، وقد خالف عائشة ابن عباس فأخرج الترمذي من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه قلت: أليس الله يقول: * (لا تدركه الأبصار) * قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين، وروى ابن خزيمة بإسناد قوي عن أنس. قال: رأى محمد ربه، وبه قال سائر أصحاب ابن عباس وكعب الأحبار والزهري وصاحب معمر وآخرون، وحكى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن أنه حلف أن محمدا رأى ربه، وأخرج ابن خزيمة عن عروة بن الزبير إثباتها وكان يشتد عليه إذا ذكر له إنكار عائشة، رضي الله تعالى عنها، وهو قول الأشعري وغالب اتباعه. قوله: (وما كان لبشر) الآية هي الآية الثانية التي استدلت بها عائشة على نفي الرؤية، وجه الاستدلال به أن الله تعالى حصر تكليمه لغيره في ثلاثة أوجه وهي الوحي بأن يلقي في روعه ما يشاء أو يكلمه بغير واسطة من وراء حجاب، أو يرسل إليه رسولا فيبلغه عنه فيستلزم ذلك انتفاء الرؤية عنه حالة التكلم، وأجابوا عنه أن ذلك لا يستلزم نفي الرؤية مطلقا، وغاية ما يقتضي نفي تكليم الله على غير هذه الأحوال الثلاثة فيجوز أن التكليم لم يقع حالة الرؤية قوله: * (ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب) * هذا هو الثلث من الثلاث المذكورة. واستدلت: على ذلك بقوله تعالى: (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) قوله: (ومن حدثك أنه فقد كذب) هذا هو الثالث من الثلاث المذكورة أي: ومن حدثك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الذي شرع الله تعالى له فقد كذب لأنه رسول مأمور بالتبليغ فليس له كتم شيء من ذلك واستدلت على ذلك بقوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) *، قوله: * (ولكنه رأى جبرايل) * هكذا، رواية
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»