4 ((باب: * (الذين جعلوا القرآن عضين) * (الحجر: 19)) أي: هذا باب في قوله عز وجل: * (الذين جعلوا القرآن عضين) * وليس في بعض النسخ لفظ: باب وقبله: * (وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين) * (الحجر: 98 19). قوله: (وقل)، أي: قل يا محمد إني أنا النذير المبين عذابا كما أنزلنا على المقتسمين، فحذف المفعول فهو المشبه ودل عليه المشبه به، كما تقول: أرتيك القمر في الحسن أي: رجلا كالقمر، وقيل: الكاف زائدة، أي: أنذرتكم ما أنزلنا بالمقتسمين، وقيل: متعلق بقوله: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني) * (الحجر: 78) * (كما أنزلنا على المقتسمين) * (الحجر: 09) والآن يجيء تفسير المقتسمين. قوله: (الذين جعلوا القرآن) صفة للمقتسمين، قوله: (عضين) أي: أعضاء متفرقة، من عضيت الشيء، أي: فرقته، وقيل: هو جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء أي: جزأها أجزاء، وقيل: أصلها عضهة فحذفت الهاء الأصلية كما حذفت من الشفة وأصلها شفهة ومن الشاة وأصلها شاهة، وبعد الحذف جمع على عضين مثل ما جمع برة على برين وكرة على كرين وقلة على قلين، وروى الطبري من طريق قتادة، قال: عضين عضوه وبهتوه، ومن طريق عكرمة، قال: العضة السحر بلسان قريش، يقال للساحرة العاضهة.
المقتسمين الذين حلفوا إنما سموا بذلك لأنهم كانوا يستهزئون بالقرآن فيقول بعضهم: السورة منه لي، ويقول الآخر: السورة منه لي، وقال مجاهد: فرقوا كتبهم فآمن بعضهم ببعضها وكفر بعضها آخرون، وقيل: هم قوم اقتسموا القرآن، فقال بعضهم: سحر، وقال آخرون: شعر، وقال آخرون: أساطير الأولين، وقال آخرون: كذب وسمر، وقال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقار مكة وطرقها وقعدوا على أبوابها وأنقابها، فإذا جاء الحاج قال فريق منهم: لا تغتروا بالخارج منا مدعي النبوة فإنه مجنون، وقالت طائفة على طريق آخر: إنه كاهن، وقالت طائفة: إنه عراف، وقالت طائفة: إنه شاعر، والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه كاهنا، فإذا سئل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: صدق أولئك، يعني المقتسمين، وأهلكهم الله عز وجل يوم بدر وقبله بآفات.
ومنه لا أقسم أي أقسم وتقرأ لأقسم أي: ومن معنى المقتسمين: لا أقسم، وأشار بذلك إلى أن معنى المقتسمين من القسم، فلذلك قال: المقتسمين الذين حلفوا، وليس الأمر كما ذكره، بل هو من الاقتسام لا من القسم فلا يصح جعل لا أقسم منه. قوله: (أي أقسم) أي: معنى: لا أقسم، أقسم لأن كلمة: لا، مقحمة، وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: * (لا أقسم بيوم القيامة) * (القيامة: 1) مجازها: أقسم بيوم القيامة، وقيل: كلمة: لا، على بابها، والمعنى: لا أقسم بكذا وكذا بل بكذا، وقيل: معناه ليس الأمر كما زعمتم. قوله: (وتقرأ) على صيغة المجهول، والقارىء بها ابن كثير: لأقسم، بفتح اللام بغير مدو هو لام التأكيد، وقيل: لام القسم.
قاسمهما حلف لهما ولم يحلفا له أشار بهذا إلى أن باب المفاعلة هنا ليس على أصله، وإنما هو على معنى: فعل، لا للمشاركة، وهذا في قوله تعالى: * (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) * (الأعراف: 12) أي: قاسم إبليس آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام، ومعناه: حلف لهما أنه من الناصحين لهما، في قوله: * (ما نهاكما عن هذه الشجرة) * (الأعراف: 02)... الآية. قوله: (ولم يحلفا له)، أي: لم يحلف آدم وحواء لإبليس، وبهذا أشار إلى عدم المشاركة في قوله: وقاسمهما، كما ذكرناه.
وقال مجاهد تقاسموا تحالفوا أي: قال مجاهد في معنى قوله تعالى: * (تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله) * (النمل: 94) أي: تحالفوا، وكذا أخرجه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه، ومراده من ذكر هذا والذي قبله تقوية ما ذهب إليه من أن لفظ المقتسمين من القسم لا من القسمة، وهو خلاف ما ذكره الجمهور من المفسرين.