عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٨٧
بالقتل لأن عند الشافعية أكبر الكبائر بعد الشرك القتل ثم ثلثه بالزنا، لأنه سبب لاختلاط الأنساب لا سيما مع حليلة الجار، لأن الجار يتوقع من جاره الذب عنه وعن حريمه فإذا قابل هذا بالذب عنه كان من أقبح الأشياء. قوله: (ثم أي؟) قال ابن الجوزي: أي: ههنا مشدد منون، كذا سمعته من أبي محمد بن الخشاب، قال: لا يجوز إلا تنوينه لأنه اسم معرب غير مضاف. قوله: (وأن تقتل ولدك) فيه ذم شديد للبخيل لأن بخله أداه إلى قتل ولده مخافة أن يأكل معه. قوله: (تخاف)، في موضع الحال. قوله: (أن تزاني) من باب المفاعلة من الزنا معناه: أن تزني برضاها، ولأجل هذا ذكره من باب المفاعلة. قوله: (حليلة)، بالحاء المهملة: الزوجة، سميت بذلك لكونها تحل له فهي حليلة بمعنى محلة لكونها تحل معه بضم الحاء، وقيل: لأن كلا منهما يحل أزرة الآخر، وهي أيضا: عرسه وظعينته وربضه وطلعته وحنته وبيته وقعيدته وشاعته وبعلته وضبينته وجارته وفرشه وزوجته وعشيرته وأهله.
4 ((باب: وقوله تعالى: * (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * (البقرة: 57) وقال مجاهد المن صمغة والسلوى الطير.)) ذكر هذه الآية ولم يذكر شيئا من تفسيرها غير ما ذكره من قول مجاهد، ولما ذكر الله تعالى ما دفع عن قوم موسى من النقم المذكورة قبل هذه الآية، ذكرهم هنا بما أسبغ عليهم من النعم، فقال: (وظللنا عليكم الغمام) وهو جمع غمامة، سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس، وعن مجاهد: ليس من زي مثل هذا السحاب بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا، وذكر سنيد في تفسيره: عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال ابن عباس، رضي الله عنهما: غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي الله فيه في قوله: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) * (البقرة: 210) وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر. قوله: (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) وفسر مجاهد: المن، بقوله صمغة، والسلوى، بالطير، رواه عنه عبد بن حميد عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه، وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قال: كان المن ينزل عليهم على الأشجار فيغدون إليه ويأكلون منه ما شاؤوا، وقال عكرمة: شيء يشبه الرب الغليظ، وعن السدي: إنه الترنجبين، وقال الربيع بن أنس: المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثم يشربونه، وقال وهب بن منبه: هو خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي، وروى ابن جرير بإسناده عن الشعبي، قال: عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إنه العسل.
واختلفت عبارات المفسرين في (المن) ولكنها متقاربة فمنهم من فسره بالطعام، ومنهم من فسره بالشراب، والظاهر والله أعلم أن كل ما امتن الله به عليهم من طعام أو شراب وغير ذلك مما ليس لهم فيه عمل ولا كد، فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما، وإن مزج مع الماء كان شرابا طيبا وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر. وأما (السلوى) فكذلك اختلفوا فيه، فقال علي بن أبي طلحة: عن أبي عباس: السلوى طائر شبيه السمان يأكلوه منه، وكذا قال مجاهد والشعبي والضحاك والحسن وعكرمة والربيع بن أنس، وعن وهب: هو طير سمين مثل الحمامة يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت، وعن عكرمة: طير أكبر من العصفور، وقال ابن عطية: السلوى طير بإجماع المفسرين، وقد غلط الهذلي في قوله: إنه العسل، وقال القرطبي: دعوى الإجماع لا يصح لأن المؤرخ أحد علماء اللغة والتفسير قال: إنه العسل، وقال الجوهري: السلوى العسل، قالوا: والسلوى جمع بلفظ الواحد أيضا، كما يقال: سماني للواحد والجمع، وقال الخليل: واحده سلوة، وقال الكسائي: السلوى واحد وجمعه سلاوي. قوله: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) أمر إباحة وإرشاد وامتنان. قوله: (وما ظلمونا) الآية، يعني: أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا فخالفوا وكفر لظلموا أنفسهم. وقال الزمخشري: فظلموا بأن كفروا هذه النعم.
4478 ح دثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبد الملك عن عمرو بن حريث عن سعيد
(٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»