عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٨١
كنا نغدو إلى السوق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث المذكور في الباب، وقيل: نسب الغزالي والفخر الرازي وتبعهما البيضاوي هذا الحديث إلى أبي سعيد الخدري، وهو وهم، وإنما هو أبو سعيد بن المعلى، وقال بعضهم: وروى الواقدي هذا الحديث أيضا في رواية عن أبي سعيد بن المعلى عن أبي بن كعب وليس كذلك، والذي هنا هو الصحيح، وشيخ الواقدي هنا مجهول أيضا وهو محمد بن معاذ، وقال أيضا: الواقدي شديد الضعف إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ قلت: ذكر الحافظ المزي هذا ولم يتعرض إلى شيء من ذلك، ومن العجب أن الواقدي أحد مشايخ إمامه الشافعي ويحط عليه هذا الحط وهو، وإن كان ضعفه بعضهم، فقد وثقه آخرون، فقال إبراهيم الحربي: الواقدي أمين الناس على أهل الإسلام، وعن مصعب بن الزبير: ثقة مأمون، وكذا وثقه أبو عبيد وأثنى عليه ابن المبارك وآخرون.
وأخرج البخاري هذا الحديث أيضا في فضائل القرآن عن علي بن عبد الله وفي التفسير أيضا عن إسحاق بن منصور، وعن بندار. وأخرجه أبو داود في الصلاة عن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه النسائي فيه وفي التفسير عن إسماعيل بن مسعود وفي فضائل القرآن عن بندار. وأخرجه ابن ماجة في ثواب التسبيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
قوله: (في المسجد)، أي: في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (فلم أجبه)، لأنه ظن أن الخطاب لمن هو خارج عن الصلاة. قوله: (ألم يقل الله استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم) هذا خاص به صلى الله عليه وسلم. قوله: (ألا أعلمنك) كلمة: إلا للحث والتحضيض على ما يقوله القائل في مثل هذا الموضع، وأعلمنك، بنون التأكيد المشددة. قوله: (أعظم سورة في القرآن) قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أعظم بمعنى عظيم، وقال ابن التين: معناه أن ثوابها أعظم من غيرها، واستدل به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وقد منع ذلك الأشعري وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل، وأسماه الله وصفاته وكلامه لا نقص فيها، وأجيب عن هذا بأن الأفضلية من حيث الثواب والنفع للمتعبدين لا من حيث المعنى والصفة، فإن قلت: يؤيد التفضيل قوله تعالى: * (نأت بخير منها أو مثلها) * (البقرة: 106) قلت: الخيرية في المنفعة والرفق لعباده لا من حيث الذات. قوله: (قال: الحمد لله رب العالمين)، هذا صريح في الدلالة على أن البسملة ليست من الفاتحة. قوله: (هي السبع المثاني)، أما السبع فلأنها سبع آيات بلا خلاف إلا أن منهم من عد: أنعمت عليهم دون التسمية، ومنهم من مذهبه على العكس، قاله الزمخشري، قلت: الأول قول الحنفية، والعكس قول الشافعية، فإنهم يعدون التسمية من الفاتحة ولا يعدون: أنعمت عليهم آية، ولكل فريق حجج وبراهين عرفت في موضعها، وإما تسميتها بالمثاني فلأنها تثني في كل ركعة، وقيل: المثاني من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله تعالى، وفيه نظر، والمثاني: جمع مثنى الذي هو معدول عن اثنين اثنين، فافهم. وروى ابن عباس: أن السبع المثاني هي السبع الطوال: (البقرة) و (آل عمران) و (النساء) و (المائدة) و (الأنعام) و (الأعراف) و (يونس) وكذا روي عن سعيد بن جبير، وكذا ذكره الحاكم، وقال: الكهف، بدل: يونس، وذكر الداودي عن غيره: أنها من (البقرة) إلى (براءة) قال: وقيل: هي السبع التي تلي هذه السبع، وقيل: السبع الفاتحة، والمثاني القرآن، وقال الخطابي: يعني بالعظيم عظيم المثوبة على قراءتها وذلك لما تجمع هذه السورة من الثناء والدعاء والسؤال، والواو في: والقرآن العظيم، ليست واو العطف الموجبة للفصل بين الشيئين وإنما هي الواو التي تجيء بمعنى التخصيص كقوله: * (وملائكته ورسله وجبريل) * (البقرة: 98)، وكقوله: * (فاكهة ونخل ورمان) * (الرحمن: 68) وقال الكرماني المشهور بين النحاة أن هذه الواو للجمع بين الوصفين، فمعني: * (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) * أي: ما يقال له: السبع المثاني والقرآن العظيم، وما يوصف بهما انتهى. قلت: قول الخطابي: إن هذه الواو وليست للعطف خلاف ما قاله النحاة وغيرهم، وهذا من عطف العام على الخاص، وقد مثل هو أيضا بقوله: * (فاكهة ونخل ورمان) * (الحجر: 87) وهذا يرد كلامه على ما لا يخفى، وكون العطف عطف العام على الخاص أو بالعكس لا يخرج الواو عن العطفية.
2 ((باب غير المغصوب عليهم ولا الضالين)) أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، ولا وجه لذكر لفظ: باب هنا، ولا ذكره حديث الباب ههنا مناسبا لأنه لا يتعلق بالتفسير، وإنما محله أن يذكر في فضل القرآن.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»