عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ٣٣
الغلظ والشدة والقسوة التي وصفت بها قلوب الآخرين واللين عبارة عن الاستكانة وسرعة الإيجاب والتأثر بقوارع التذكير قوله ' الفقه يمان ' المراد بالفقه هنا الفهم في الدين واصطلح بعد ذلك الفقهاء وأصحاب الأصول على تخصيص الفقه بإدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها قوله ' والحكمة يمانية ' قد مر تفسير الحكمة عن قريب واليمانية بتخفيف الياء لأن الألف المزيدة فيه عوض عن ياء النسبة المشددة فلا يجمع بينهما وقيل سمع بالتشديد أيضا 4391 ح دثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال كنا جلوسا مع ابن مسعود فجاء خباب فقال يا أبا عبد الرحمان أيستطيع هاؤلاء الشباب أن يقرؤا كما تقرأ قال أما إنك لو شئت أمرت بعضهم فيقرأ عليك قال أجل قال اقرأ يا علقمة فقال زيد بن حدير أخو زياد بن حدير أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا قال أما إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه فقرأت خمسين آية من سورة مريم وقال عبد الله كيف ترى قال قد أحسن قال عبد الله ما أقرأ شيئا إلا وهو يقرؤه ثم التفت إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى قال أما إنك لن تراه علي بعد اليوم فألقاه.
مطابقته للترجمة تؤخذ بالتعسف من ذكر علقمة في الإسناد في متن الحديث أيضا لأنه نخعي، والنخع من اليمن وهي قبيلة مشهورة ينسبون إلى النخع، واسمه: حبيب بن عمرو بن علة، بضم العين المهملة وتخفيف اللام: ابن مالك بن أدبن زيد، وإنما قيل له: النخع، لأنه نخع عن قومه أي: بعد.
وعبدان هو عبد الله بن عثمان وقد تكرر ذكره، وأبو حمزة، بالحاء والزاي: واسمه محمد بن ميمون اليشكري، والأعمش سليمان، وإبراهيم هو النخعي، وعلقمة هو ابن قيس النخعي.
قوله: (جلوسا)، بالضم جمع جالس. قوله: (خباب) هو: ابن الأرت الصحابي المشهور. قوله: (يا أبا عبد الرحمن)، وهو كنية عبد الله بن مسعود. قوله: (أيستطيع؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (أمرت بعضهم فيقرأ عليك)، وفي رواية الكشميهني: (فقرأ)، بصيغة الفعل الماضي. قوله: (أجل) أي: نعم. قوله: (فقال زيد بن حدير)، بضم الحاء المهملة وفتح الدار مصغرا، وهو أخو زيد بن حدير، وزياد من كبار التابعين أدرك عمر رضي الله تعالى عنه، وله رواية في (سنن أبي داود) ونزل الكوفة وولي إمرتها مرة، وهو أسدي من بني أسد ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. قوله: (أتأمر؟) الهمزة فيه للاستفهام. قوله: (أما)، بتخفيف الميم وهو حرف استفتاح بمنزلة: ألا، ويكون بمعنى: حقا، والمعنى هنا على الأول، ولهذا كسرت: إن، بعدها وعلى المعنى الثاني تفتح: أن، بعدها. قوله: (في قومك وقومه)، يشير بهذا إلى ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على النخع لأن علقمة نخعي، وإلى ذم بني أسد وزياد بن حديد أسدي، أما ثناؤه على النخع فقد أخرجه أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهذا الحي من النخع ويثنى عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم، وأما ذمه لبني أسد ففي حديث أبي هريرة: أن جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان، وقد تقدم في المناقب. قوله: (وقال عبد الله: كيف ترى؟) موصول بالإسناد المذكور، وخاطب عبد الله بهذا خبابا لأنه هو الذي سأله أولا وهو الذي قال: قد أحسن، وفي رواية أحمد عن يعلى عن الأعمش: فقال خباب: أحسنت. قوله: (وقال عبد الله) هو موصول أيضا. قوله: (ما أقر أشيئا إلا وهو يقرؤه)، يعني: علقمة، وفيه منقبة عظيمة لعلقمة حيث شهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، أنه مثله في القراءة. قوله: (ألم يأن؟) أي: ألم يجيء وقت إلقاء هذا الخاتم؟ وكلمة: أن، مصدرية و: أن يلقى، على صيغة المجهول، وفيه تحريم لباس الذهب على الرجال إما للتشبيه بالنساء أو للكبر والتيه، وأما لبس خباب الخاتم من الذهب فيحمل على أنه لم يبلغه التحريم، لأن بعض الصحابة كان يخفى عليه أمر الشارع. وفيه: الرفق في الموعظة وتعليم من لا يعلم.
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»