عمدة القاري - العيني - ج ١٨ - الصفحة ١٧٤
نطمس وجوها) * وفسره بقوله نسويها بقوله: (حتى تعود كأفقائهم) وأسند الطبري عن قتادة أن المراد أن تعود الأوجه في الأفقية، وعن قتادة: تذهب بالشفاه والأعين والحواجب فيردها أقفاء، وقال أبي بن كعب: هو تمثيل وليس المراد حقيقتها حسا. وقال الكرماني: نطمس منصوب على الحكاية من قوله: (من قبل أن نطمس) وأشار بقوله: طمس الكتاب محاه إلى أن الطمس يجيء بمعنى المحو أيضا.
سعيرا وقودا أشار به إلى قوله تعالى: * (كفى بجهنم سعيرا) * (النساء: 55) وفسر سعيرا بقوله: وقودا. لو كذا فسره أبو عبيدة، وقال بعضهم: هذه التفاسير ليست لهذه الآية وكأنها من النساخ. قلت: هذا بعيد جدا لأن غالب الكتاب جهلة فمن أين لهم هذه التفاسير؟ وبأي وجه يلحقون مثل هذه في مثل هذا الكتاب الذي لا يحلق أساطين العلماء شاؤه؟ ومن شأن النساخ التحريف والتصحيف والإسقاط وليس من دأبهم أن يزيدوا في كتاب مرتب منقح من عندهم، ولو قال: وكأنه من بعض الرواة المعتنين بالجامع لكان له وجه، ولا يبعد أن يكون هذا من نفس البخاري من غير تفكر فيه، فإن تنبه عليه فلعله ما أدرك إلى وضع هذه التفاسير في محلها ثم استمرت على ذلك.
4582 ح دثنا صدقة أخبرنا يحيى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله قال يحيى بعض الحديث عن عمرو بن مرة قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي قلت اقرأ عليك وعليك أنزل قال فإني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هاؤلاء شهيدا) قال أمسك فإذا عيناه تذرفان.
مطابقته للترجمة ظاهرة. وصدقة هو ابن الفضل أبو الفضل المروزي، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان هو الثوري، وسليمان هو الأعمش، وإبراهيم هو النخعي، وعبيدة، بفتح العين وكسر الباء الموحدة: ابن عمرو السلماني.
ومن سفيان إلى آخره كلهم كوفيون، وفيه: ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم لسليمان وإبراهيم وعبيدة، وعبد الله هو ابن مسعود، وعمرو بفتح العين، ابن مرة، بضم الميم وتشديد الراء، الجملي بفتح الجيم التابعي.
والحديث أخرجه البخاري في فضائل القرآن عن محمد بن يوسف وعن عمر بن حفص وعن مسدد. وأخرجه مسلم في الصلاة عن أبي بكر وغيره، وأخرجه أبو داود في العلم عن عثمان بن أبي شيبة. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمود بن غيلان وغيره. وأخرجه النسائي فيه عن هناد بن السري به وفي فضائل القرآن عن سويد بن نصر به وعن غيره.
قوله: (قال يحيى) هو القطان، وقال الكرماني: قد ذكر البخاري كلام يحيى للتقوية، وإلا فإسناد عمرو مقطوع وبعض الحديث مجهول قلت: ظاهره كذا، ولكنه أوضحه في فضائل القرآن في: باب البكاء عند قراءة القرآن عن مسدد عن يحيى عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله. قال الأعمش: وبعض الحديث حدثني عمرو بن مرة عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الضحى عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي) الحديث. قوله: (اقرأ علي) فيه أن القراءة من الغير أبلغ في التدبر والتفهم من قراءة الإنسان بنفسه، وفيه فضل ظاهر لعبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه، وفي (تفسير عبد) لما قرأ عبد الله هذه الآية قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد). قوله: (فإذا عيناه)، كلمة إذا للمفاجأة. (وعيناه) مبتدأ، وتذرفان، خبره، أي: عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطلقان دمعهما يقال: ذرف الدمع بالذال المعجمة، وذرفت العين دمعها. وفي بكاء النبي صلى الله عليه وسلم، وجوه: الأول: قال ابن الجوزي: بكاؤه صلى الله عليه وسلم، عند هذه الآية الكريمة لأنه لا بد من أداء الشهادة والحكم على المشهود عليه إنما يكون يقول الشاهد، فلما كان صلى الله عليه وسلم، هو الشاهد وهو الشافع بكى على المفرطين منهم. الثاني: أنه بكى لعظم ما تضمنته هذه الآية الكريمة من هول المطلع وشدة الأمر إذ يؤتي بالأنبياء عليهم السلام، شهداء على أممهم بالتصديق والتكذيب. الثالث: أنه بكى فرحا لقبول شهادة أمته صلى الله عليه وسلم، يوم القيامة وقبول تزكيته لهم في ذلك اليوم العظيم.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»