عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ٧٩
(إلا في غزوة) وجه هذا الاستثناء أن غير صفة، والمعنى: ما تخلفت إلا في تبوك حال مغايرة تخلف بدر لتخلف تبوك، لأن التوجه فيه لم يكن بقصد الغزو بل بقصد أخذ العير، وهو معنى قوله: (إنما خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم) إلى آخره. قوله: (ولم يعاتب)، على صيغة المجهول، ولفظ (أحد) مرفوع، وفي رواية الكشمسهيني: (ولم يعاتب الله أحدا) قوله: (يريد عير قريش)، جملة حالية، يعني: لم يرد القتال. قوله: (على غير ميعاد) يعني: بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش.
4 ((باب قول الله تعالى * (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ذالك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب. (الأنفال: 9 12).)) أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى: * (إذ تستغيثون ربكم) * الآيات، هكذا سيقت هذه الآيات كلها في رواية كريمة، وفي رواية الأكثرين: باب قول الله تعالى: * (إذ تستغيثون ربكم) * إلى قوله: * (شديد العقاب) * قوله: * (إذ تستغيثون) * بدل من قوله * (إذ يعدكم) * (الأنفال: 7). وقيل: يتعلق بقوله: * (ليحق الحق ويبطل الباطل) * (الأنفال: 8). واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله تعالى، أي: رب انصرنا على عدوك، يا غياث المستغيثين أغثنا، وسيجئ بيان الاستغاثة في حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما. قوله: * (إني ممدكم) * من الإمداد، وقد مر الكلام فيه عن قريب، وأصل (أني) بأني، فحذف الجار وسلط عليه: استجاب، فنصب محله، وعن أبي عمرو أنه قرأ: أني ممدكم، بالكسر على إرادة القول أو على إجراء استجاب مجرى: قال، لأن الاستجابة من القول. قوله: * (مردفين) * أي: مردف بعضهم بعضا، وعن ابن عباس: متتابعين، يعني وراء كل ملك ملك، وقال ابن جرير: حدثني المثنى حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثني عبد العزيز بن عمران عن الربيعي عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير عن علي، رضي الله تعالى عنه، قال: نزل جبريل، عليه الصلاة والسلام، في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في الميسرة، وهذا يقتضي لو صح إسناده أن الألف مردفة بمثلها، ولهذا قرأ بعضهم: مردفين، بفتح الدال. قوله: (وما جعله الله)، أي: وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إياكم بهم * (إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم) * (الأنفال: 7). وإلا فالله تعالى قادر على نصركم على أعدائكم بدون ذلك، ولهذا قال: * (وما النصر إلا من عند الله) * قوله: * (إذ يغشيكم النعاس) * كلمة: إذ، بدل ثان من: إذ يعدكم، أو منصوب بالنصر، أو بما في من عند الله من معنى الفعل، أو بما جعله الله، ومعنى: يغشيكم يغطيكم، يقال: غشاه تغشية إذا غطاه، قال الزمخشري: قرىء بالتشديد والتخفيف، ونصب النعاس، والضمير لله عز وجل. قوله: (أمنة) مفعول له، أي: لأمنكم، قال المفسرون: ذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أمانا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وقال أبو طلحة: كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مرارا، ولقد نظرت إليهم يمتدون وهم تحت الجحف، وقال سفيان الثوري: عن أبي عاصم عن أبي رزين عن عبد الله بن عباس، أنه قال: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة وسوسة من الشيطان، وقال قتادة:
النعاس في الرأس والنوم في القلب، وقال سهل بن عبد الله: هو يحل في الرأس مع حياة القلب، والنوم يحل في القلب بعد نزوله من الرأس. قوله: * (وينزل عليكم) * إلى قوله: * (الأقدام) * وعن ابن عباس: نزل المسلمون يوم بدر على كثيب أعفر سوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب، وسبقهم المشركون إلى ماء بدر وغلبوهم عليه، وأصبح المسلمون بعضهم محدثين وبعضهم
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»