عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ٢٩٦
عنه وجاءه رجل فقال يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين فقال أما أنا أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء يقول.
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب..
مطابقته للترجمة في قوله: (أتوليت يوم حنين) وسفيان هو الثوري، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، وقد مضى الحديث في الجهاد في: باب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، البيضاء.
قوله: (يا أبا عمارة) هي كنية البراء. قوله: (أتوليت؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. أي: انهزمت؟ قوله: (أما أنا) إلى آخره، فيه جواب بديع يبين فيه أولا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يول أيضا لأن إخباره بقوله: (ولكن عجل سرعان القوم) إلى آخره يدل على أنه ثبت. لأن المولى لا يقدر على إخبار ما شاهده البراء في هذه القضية على هذه الصورة فإن قلت: جوابه لا يطابق سؤال الرجل، لأنه سأل عنه هل توليت أم لا؟ ولم يسأل عن حال النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: لأنه فهم بقرينة الحال أنه سأل عن فرار الكل، فيدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده ما في الطريق الذي يأتي عقيبه: أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأجاب بقوله: (أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يول) قوله: (سرعان القوم) بفتح السين المهملة وفتح الراء ويجوز بالتسكين أيضا، وقال الكرماني: وسرعان، بضم المهملة وكسرها جمع: السريع، حكى هذا عن بعضهم، وليس كذلك لأن جماعة منهم: ابن الأثير وغيره قد ضبطوه مثل ما ضبطناه، و قال: سرعان القوم أوائلهم الذين يسارعون إلى شيء ويقبلون عليه بسرعة، وقال الخطابي: بعضهم يقول بكسر السين، وهو خطأ. قوله: (فرشقتهم)، من الرشق بالشين المعجمة والقاف، وهو الرمي، وهوازن قبيلة كبيرة من العرب، فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة، بالخاء المعجمة والصاد المهملة وبالفاء كلها مفتوحة: ابن قيس غيلان ابن الياس بن مضر، وأبو سفيان بن الحارث هو ابن عبد المطلب بن عبد المطلب بن هاشم، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: (آخذ)، على وزن: فاعل. قوله: (يقول)، جملة وقعت حالا.
4316 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قيل ل لبراء وأنا أسمع أوليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا كانوا رماة فقال:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي عن شعبة عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن البراء بن عازب.
قوله: (كانوا) أي هوازن. قوله: (رماة). جمع رام وفيه حذف تقديره: كانوا رماة فرشقوهم رشقا فانهزموا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
* أنا النبي لا كذب * فأشار به إلى أن صفة النبوة تنافي الكذب، فكأنه قال: أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى انهزموا، وأنا متيقن بنصر الله عز وجل، وأما انتسابه إلى عبد المطلب دون أبيه عبد الله فلشهرة عبد المطلب بين الناس، بخلاف عبد الله فإنه مات شابا، وبقية الكلام قد مرت في الجهاد في الباب الذي ذكرناه عن قريب.
4317 حدثني محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع البراء وسأله رجل من قيس أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر كانت هوازن رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بزمامها وهو يقول:
* أنا النبي لا كذب * .
هذا طريق آخر قد مضى في الجهاد في: باب من قاد دابة غيره في الحرب، وأخرجه هنا عن محمد بن بشار، بالباء الموحدة
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»