عمدة القاري - العيني - ج ١٧ - الصفحة ١٣٣
وفي رواية عروة: وأحب أن تسلفنا طعاما، قال: أين طعامكم؟ قال: أنفقناه على هذا الرجل وأصحابه، قال: ألم يأن لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل؟
قوله: (وحدثنا عمرو غير مرة)، قيل: قائل هذا علي بن المديني، وقال الكرماني: أي قال سفيان: حدثنا عمرو غير مرة أي مرارا، وهذا هو الظاهر. قوله: (أرى فيه) أي: أظن في الحديث. قوله: (أرهنوني) أي: ادفعوا إلي شيئا يكون رهنا على التمر الذي تريدونه. قوله: (وأنت أجمل العرب) أي: صورة، والنساء يملن إلى الصور الحسان، وفي رواية ابن سعد من مرسل عكرمة: ولأنا منك، وأي امرأة تمنع منك لجمالك، وقال بعضهم: قالوا ذلك تهكما. قلت: مرسل عكرمة يرد هذا، قوله: (فيسب أحدهم) بضم الياء على صيغة المجهول. قوله: (اللامة) بتشديد اللام، وقد فسرها سفيان بأنها السلاح، وقال غيره من أهل اللغة: اللامة الدرع، فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض، وفي مرسل عكرمة. ولكنا نرهنك سلاحنا مع علمك بحاجتنا إليه، قال: نعم. قوله: (فجاءه ليلا)، أي: فجاء محمد بن مسلمة كعبا في الليل، والحال أن معه أبو نائلة، بنون وبعد الألف ياء آخر الحروف ساكنة، وقيل: بالهمزة بعد الألف، واسمه: سلكان، بكسر السين المهملة وسكون اللام: ابن سلامة ابن وقش بن رغبة بن زعور بن عبد الأشهل الأنصاري الأشهلي، ويقال: سلكان لقب واسمه: سعد، شهد أحدا وكان من الرماة المذكورين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شاعرا: قوله: (وكان أخاه من الرضاعة) أي: كان أبو نائلة أخا كعب من الرضاعة، وذكر الواقدي أن محمد بن مسلمة أيضا كان أخاه من الرضاعة، وزاد الحميدي في روايته، وكانوا أربعة، سمى عمرو منهم اثنين، والاثنان الآخران: عباد بن بشر والحارث بن أوس. وقال ابن إسحاق: فاجتمع في قتله: محمد بن مسلمة، وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة الأشهلي، وعباد بن بشر بن وقش الأشهلي، وأبو عبس بن جبر أخو بني حارثة، والحارث بن أوس، فهؤلاء خمسة.
قوله: (وقال غير عمرو)، أي: قال سفيان: قال غير عمرو بن دينار المذكور، وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه سفيان في هذه القصة هو العبسي. قوله: وأنه حدثه بذلك عن عكرمة مرسلا: (كأنه يقطر منه الدم) كناية عن صوت طالب شر وخراب، وقال ابن إسحاق: لما انتهى هؤلاء إلى حصن كعب هتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفة له فأخذت امرأته بناحيتها وقالت: إلى أين في مثل هذه الساعة؟ فقال: إنه أبو نائلة، لو وجدني نائما أيقظني. فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر، فقال لها كعب: لو دعي الفتى إلى طعنة لأجاب، ثم نزل. قوله: (فقال: إذا ما جاء) أي: فقال محمد بن مسلمة: إذا ما جاء كعب. قوله: (فإني قائل بشعره) أي: فإني جاذب بشعره، وقد استعملت العرب لفظ: القول، في موضع غيره من المعاني وأطلقوه على غير الكلام واللسان، فيقول: قال بيده، أي: أخذ، وقال برجله أي: مشى، وقال بالماء على يده أي: قلب، وقال بثوبه أي: رفعه، وكل ذلك على المجاز والاتساع. قوله: (ثم أشمكم) بضم الهمزة من الإشمام أي: أمكنكم من الشم. قوله: (متوشحا) نصب على الحال من الضمير الذي في: نزل، أي: متلبسا بثوبه وسلاحه. قوله: (وهو ينفح منه ريح الطيب) جملة حالية، و: ينفح، بالحاء المهملة معناه: يفوح، وريح الطيب بالرفع فاعل: ينفح. قوله: (ما رأيت كاليوم ريحا) أي: ما رأيت ريحا أطيب في يوم مثل هذا اليوم. قوله: (قال غير عمرو) أي: قال سفيان: قال غير عمرو بن دينار (عندي أعطر نساء العرب) وفي رواية أخرى: عند أعطر سيد العرب، وكان لفظ سيد تصحيفا من نساء، فإن كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف، أو المراد شخص أو مصاحب أعطر من سيدهم. قوله: (وأكمل العرب) وفي رواية الإصيلي: أجمل، بالجيم بدل الكاف وهذا أشبه. قوله: (دونكم) أي: خذوه بأسيافكم. قوله: (فقتلوه) وفي رواية عروة: وضربه محمد بن مسلمة فقتله وأصاب ذباب السيف الحارث بن أوس وأقبلوا حتى إذا كانوا بجرف بعاث تخلف الحارث ونزف، فلما افتقده أصحابه رجعوا فاحتملوه ثم أقبلوا سراعا حتى دخلوا المدينة. وفي رواية الواقدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم تفل على جرح الحارث بن أوس فلم يؤذه، وفي رواية ابن الكلبي: فضربوه حتى برد، وصاح عند أول ضربة واجتمعت اليهود، فأخذوا على غير طريق أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ففاتوهم. وفي مرسل عكرمة: فأصبحت اليهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قتل سيدنا غيلة، فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه وما كان يحرض عليه ويؤذي المسلمين. وقال ابن سعد: فخافوا ولم ينطقوا، وذكر في (كتاب شرف المصطفى) أن الذين قتلوا كعب بن الأشرف حملوا رأسه في مخلاة إلى
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»