عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٤٣
وقال: الآن تصوب عيرهم من ثنية التنعيم البيضاء. يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء، قال: فابتدر القوم الثنية فوجدوا مثل ما أخبر، صلى الله عليه وسلم. وعن السدي: أن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير فدعا الله، عز وجل، فحبسها حتى قدموا كما وصف لهم قال: فلم تحبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم، وعلى يوشع بن نون، رواه البيهقي. قلت: حبست أيضا في الخندق حين شغل عن صلاة العصر حتى غابت الشمس فصلاها، ذكره عياض في (إكماله) وقال الطحاوي: رواته ثقات، ووقع لموسى، عليه الصلاة والسلام، تأخير طلوع الفجر، روى ابن إسحاق في المبتدأ من حديث يحيى بن عروة عن أبيه، أن الله عز وجل، أمر موسى، عليه الصلاة والسلام، بالمسير ببني إسرائيل، وأمره بحمل تابوت يوسف ولم يدل عليه حتى كاد الفجر يطلع، وكان وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر، فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف ففعل الله، عز وجل، ذلك. وبنحوه ذكر الضحاك في (تفسيره الكبير) وقد وقع ذلك أيضا للإمام علي، رضي الله تعالى عنه، أخرجه الحاكم عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وسلم نام على فخذ علي، رضي الله تعالى عنه، حتى غابت الشمس، فلما استيقظ قال علي، رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! إني لم أصل العصر! فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيك، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، ثم قام علي فتوضأ وصلى العصر، وذلك بالصهباء، وذكره الطحاوي في (مشكل الآثار، قال: وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من أجل علامات النبوة. وقال: وهو حديث متصل، ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه. وكذلك وقع لسليمان، عليه الصلاة والسلام، روي عن ابن عباس أنه قال: سألت علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه، عن هذه الآية * (إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب) * (ص 1764;: 23). فقال: ما بلغك في هذا يا ابن عباس؟ فقلت له: سمعت كعب الأحبار يقول: إن سليمان، عليه الصلاة والسلام، اشتغل ذات يوم بعرض الأفراس والنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب ردوها علي يعني الأفراس، وكانت أربعة عشر، فردوها عليه فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف، فقتلها، وإن الله تعالى سلب ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها، فقال علي، رضي الله تعالى عنه: كذب كعب، لكن سليمان اشتغل بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد عدو حتى توارت بالحجاب، فقال يأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس، ردوها علي، يعني الشمس، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها، وأن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم، ولا يرضون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون. قوله: (ملك بضع امرأة)، بضم الباء، وهو النكاح أي ملك عقدة نكاحها، وهو أيضا يقع على الجماع وعلى الفرج. قوله: (وهو يريد) الواو فيه للحال. قوله: (أن يبني بها) أي: يدخل عليها وتزف إليه، ويروى: أن يبتني، من الابتناء من باب الافتعال. قوله: (ولما يبن بها) أي: والحال أنه لم يدخل عليها. قوله: (أو: خلفات)، جمع خلفة، بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح الفاء. وقال ابن فارس: هي الناقة الحامل، وقيل: جمعها مخاض على غير قياس، كما يقال لواحدة النساء: امرأة، وقيل: هي التي استكملت سنة بعد النتاج، ثم حمل عليها فلقحت، وقيل: الخلفة التي توهم أن بها حملا، ثم لم تلقح. وقال الأصمعي: فلا تزال خلفة حتى تبلغ عشرة أشهر، وقال الجوهري الخلفة، بكسر اللام المخاض من النوق، الواحدة خلفة. وفي (المغيث): يقال: خلفت إذا حملت، واختلفت إذا حالت ولم تحمل. قوله: (فدنا من ا لقرية) قيل: هي أريحا. وقال ابن إسحاق: لما مات موسى، عليه السلام، وانقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيا، فأخبر بني إسرائيل أنه نبي الله، وأن الله قد أمره بقتال الجبارين فصدقوه وبايعوه، فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا ومعه تابوت الميثاق، فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون ضج الشعب ضجة واحدة، فسقط سور المدينة، فدخلوها وقتلوا الجبارين، وكان القتال يوم الجمعة، فبقيت منهم بقية، وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فخشي يوشع أن يعجزوا فقال: اللهم أردد الشمس علي، فقال لها: إنك في طاعة الله، وأنا في طاعة الله، وهو معنى قوله: إنك مأمورة وأنا مأمور، يعني: إنك مأمورة بالغروب وأنا مأمور بالصلاة أو القتال قبل الغروب. قوله: (فلم تطعمها)، أي: فلم تطعم النار الغنائم، وإنما قال: فلم تطعمها ولم يقل فلم تأكلها للمبالغة، إذ معناه: لم تذق طعمها، كقوله تعالى: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (البقرة: 942). قوله: (إن فيكم غلولا)، وهو الخيانة في المغنم، وكان من خصائص الأنبياء المتقدمين
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»