قوله: (لا يخلص)، على صيغة المجهول معناه: لا يصل إليه أحد أبدا. قوله: (حتى تبلغ) بلفظ المجهول أي: حتى تقبض روحي. قوله: (أن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه...) إلى آخره إنما ذكر المسور قصة خطبة علي بنت أبي جهل ليعلم علي بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة وفي نسلها لما سمع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. قوله: (خطب ابنة أبي جهل)، واسمها جويرية تصغير جارية بالجيم، وقيل: جميلة، بفتح الميم. قوله: (فاطمة مني) أي: بضعة مني. قوله: (أن تفتن في دينها)، يريد أنها لا تصبر بسبب الغيرة. قوله: (صهرا له)، الصهر يطلق على الزوج وعلى أقاربه، وأقارب المرأة، وأراد أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، كان زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكان مناصفا له ومصافيا، مرت قصته في كتاب الشروط. قوله: (وإني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما) قد أعلم صلى الله عليه وسلم بذلك بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعلي، رضي الله تعالى عنه، ولكن نهى عن الجمع بينها وبين فاطمة ابنته لعلتين منصوصتين: إحداهما: أن ذلك يؤذيني، لأن إيذاء فاطمة إيذاءا لي. والأخرى: خوف الفتنة عليها بسبب الغيرة.
وقالوا: في هذا الحديث: تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم، بكل حال وعلى كل وجه، لأن تولد ذلك الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو في هذا بخلاف غيره. وقال النووي: ويحتمل أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى: لا أحرم حلالا، أي: لا أقول شيئا يخالف حكم الله، فإذا أحل شيئا لم أحرمه، وإذا حرمه لم أحله ولم أسكت على تحريمه، لأن سكوتي تحليل له، ويكون من جملة محرمات النكاح: الجمع بين بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله، والله أعلم.
1113 حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن محمد بن سوقة عن منذر عن ابن الحنفية قال لو كان علي رضي الله تعالى عنه ذاكرا عثمان رضي الله تعالى عنه ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان فقال لي علي اذهب إلى عثمان فأخبره أنها صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم فمر سعاتك يعملون فيها فأتيته بها فقال أغنها عنا فأتيت بها عليا فأخبرته فقال ضعها حيث أخذتها. (الحديث 1113 طرفه في: 2113).
مطابقته للترجمة يمكن أن تؤخذ من قوله: فأخبرته أنها صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأراد به الصحيفة التي كانت فيها أحكام الصدقات، ويكون هذا مطابقا لقوله في الترجمة. وما استعمل الخلفاء بعده.
وسفيان هو ابن عيينة، ومحمد بن سوقة، بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف: أبو بكر الغنوي الكوفي، ومنذر بلفظ اسم الفاعل من الإنذار ابن يعلى الثوري الكوفي، وابن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب، والحنفية أمه، واسمها خولة بنت جعفر بن قيس بن يربوع بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة، وكانت من سبي اليمامة.
قوله: (ولو كان علي ذاكرا عثمان) أي: بما لا يليق ولا يحسن. قوله: (ذكره)، جواب لو. قوله: (يوم جاءه)، يوم، نصب على الظرف. قوله: (سعاة عثمان)، جمع ساع وهو العامل في الزكاة. قوله: (إذهب إلى عثمان وأخبره أنها صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم) المعنى: أن عليا، رضي الله تعالى عنه، أرسل إلى عثمان صحيفة فيها بيان أحكام الصدقات، وقال: مر سعاتك يعملون بها، أي: بهذه الصحيفة، ويروى: يعملون فيها، أي بما فيها. قوله: (فأتيته بها) أي: قال ابن الحنفية: أتيت عثمان بتلك الصحيفة. قوله: (فقال)، أي: عثمان. قوله: (أغنها عنا) بقطع الهمزة أي: اصرفها عنا، وقيل: كفها عنا، وقال الخطابي: هي كلمة معناها الترك والإعراض، وقال ابن الأنباري: ومنه قوله تعالى: * (وتولوا واستغنى الله) * (التغابن: 6). المعنى: تركهم، لأن كل من استغنى عن شيء تركه، وهو من الثلاثي من قولهم: غني فلان عن كذا فهو غان، مثل: علم فهو عالم. وقال الداودي: ويحتمل قوله: إغنها عنا أن يكون عنده علم من ذلك، وأنه أمر به، وقال ابن بطال: رد الصحيفة، ويقال: كان عنده نظير منها ولم يجهلها، لا أنه ردها، ولا يبعد ذلك لأنه لا يجوز على عثمان غير هذا، وأما فعل عثمان في صدقة النبي صلى الله عليه وسلم فرواه الطبري عن أبي حميد: حدثنا جرير عن مغيرة، قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز، رضي الله تعالى عنه، جمع بني أمية فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له فدك، وكان يأكل منها وينفق ويعود على فقراء بني هاشم ويزوج منها أيمهم، وأن فاطمة، رضي الله تعالى عنها، سألته أن يجعلها لها فأبي، فكانت كذلك حياة رسول الله، صلى الله عليه وسلم حتى قبض، ثم ولي أبو بكر، رضي الله تعالى عنه، فكانت كذلك