وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل عائشة عن عمرو بن مرزوق وفي الأطعمة عن بندار عن غندر، وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر وأبي كريب وعن محمد بن المثنى وابن بشار وعن عبيد الله بن معاذ. وأخرجه الترمذي في الأطعمة عن محمد بن المثنى به، وأخرجه النسائي في المناقب وفي عشرة النساء عن قتيبة بقصة مريم وآسية وعن عمرو بن علي كذلك وعن إسماعيل بن مسعود بقصة فضل عائشة. وأخرجه ابن ماجة في الأطعمة عن محمد بن بشار بتمامه.
ذكر معناه: قوله: (كمل)، بضم الميم وفتحها وكسرها، ثلاث لغات، والمراد من الكمال: التناهي في جميع فضائل الرجال، قوله: (ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران)، وقد استدل بعضهم بهذا على أن آسية ومريم نبيتان، لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة، وفي نفس الأمر إن هذه الصفات موجودة في كثير منهن فكأنه قال: لم تنبأ من النساء إلا فلانة وفلانة. ومنع بأنه لا يلزم من لفظها الكمال نبوتهما إذ هو يطلق على إتمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد تناهيهما في جميع الفضائل التي للنساء، وقال الكرماني: وقد نقل الإجماع على عدم النبوة للنساء. قلت: وقد نقل عن الأشعري أن من النساء من نبيء وهن ست: حواء وسارة وأم موسى وهاجر وآسية ومريم، وقد ثبت مجيء الملك لبعضهن في القرآن، وقد قال الله تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها: * (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) * (مريم: 85). فدخلت في عمومه، وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك وأما آسية فلم يرد ما يدل على نبوتها. قوله: (وإن فضل عائشة، رضي الله تعالى عنها، على النساء) أي: على نساء هذه الأمة في الفضيلة وليس فيه ما يدل على الأفضلية، لأنه، صلى الله عليه وسلم، شبه فضلها بفضل الثريد على غيره من الطعام لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة، وكان أجل أطعمتهم يومئذ، وكل هذه الخصال لا تستلزم الأفضلية لها من كل وجه.
وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضلية خديجة، رضي الله تعالى عنها، على غيرها، وهو ما روي من حديث علي، رضي الله تعالى عنه: خير نسائها خديجة، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وورد أيضا ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة، رضي الله تعالى عنهما، فيما أخرجه أحمد وابن حبان وأبو يعلى والطبراني وأبو داود في كتاب الزهد والحاكم، كلهم من طريق موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون). وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه الطبراني في (الأوسط) وأحمد في (مسنده) من حديث أبي سعيد رفعه: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران. وعن أنس، رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسبك من نساء العالمين بأربع: مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد). رواه أحمد والترمذي وابن عساكر. وعن ابن عباس، قال: (خط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الأرض أربعة خطوط، فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون). رواه النسائي وأبو يعلى وابن عساكر، وروى الإمام أحمد من حديث أبي سعيد، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران). وهذا يدل على أن فاطمة ومريم أفضل هذه الأربع، ثم يحتمل الاستثناء أن تكون مريم أفضل من فاطمة، ويحتمل أن تكونا على السواء في الفضيلة، لكن ورد حديث، إن صح عين الاحتمال الأول، وهو ما روي: أن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون). رواه ابن عساكر، فإن كان هذا اللفظ محفوظا: بثم، التي للترتيب فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء، ويقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت: بواو العطف التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه، وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازي بإسناده إلى ابن عباس مرفوعا، وذكره: بواو العطف لا بثم، التي للترتيب فخالفه إسنادا ومتنا.
قوله: (كفضل الثريد) هو من ثردت الخبر ثردا إذا كسرته فهو ثريد ومثرود، والاسم: الثردة، بالضم