عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٤
دينهم الصابئة ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران، وكانوا أهل رياسة وسياسة وحسن مملكة وتدبير للحرب ووضع الأشياء مواضعها، ولهم الترسل والخطابة والنظافة وتأليف الطعام والطيب واللباس، ومن كتبهم استملى الناس رسوم الملك. قوله: (والرطانة) بفتح الراء، وقيل: يجوز بكسرها وهو كلام غير العربي، وقال الكرماني: الكلام بالأعجمية، وقال صاحب (الأفعال): يقال: رطن رطانة إذا تكلم بكلام العجم، وقال ابن التين: هي كلام لا يفهم، ويخص بذلك كلام العجم.
وقوله تعالى * (واختلاف ألسنتكم وألوانكم) * (الروم: 22). * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4).
ويروى: وقال تعالى: * (واختلاف ألسنتكم) * (الروم: 22). وقبله: * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) * (الروم: 22). هذه الآية الكريمة في سورة الروم، أي: ومن آيات الله تعالى خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم أي: لغاتكم وأجناس النطق وأشكاله، خالف تعالى بين هذه حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة ولا حدة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وكان أصل اختلاف اللغات من هود، ألقى الله على ألسنة كل فريق اللسان الذي يتكلمون به ليلا، فأصبحوا لا يحسنون غيره. قوله: (وألوانكم)، أي: واختلاف ألوانكم في تخطيطها وتنويعها، ولاختلاف ذلك وقع التعارف وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربا واحدا لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة، وربما رأيت توأمين مشتبهين في الحلية ويعروك الخطأ في التمييز بينهما، وتعرف حكمة الله في المخالفة بين الحلى. قوله: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) * (إبراهيم: 4). وتمام الآية: * (ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم) * (إبراهيم: 4). وهذه الآية الكريمة في سورة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، قال الزمخشري: ليبين لهم: أي ليفقهوا عنه ما يدعوهم إليه فلا تكون لهم حجة على الله، ولا يقولوا: لم نفهم ما خوطبنا به. انتهى. وكان البخاري أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم، فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته، فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه والدليل على عموم رسالته قوله تعالى: * (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) * (الأعراف: 851). بل إلى الثقلين، وهم على ألسنة مختلفة.
0703 حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو عاصم قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان قال أخبرنا سعيد بن ميناء قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال قلت يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير فتعال أنت ونفر فصاح النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع سؤرا فحي هلا بكم.
مطابقته للترجمة في قوله: (إن جابرا قد صنع سورا) وهو بضم السين وسكون الواو، وهو الطعام الذي يدعى إليه، وقيل: الطعام مطلقا وهي لفظة فارسية، وقيل: السؤر الوليمة، بالفارسية، وقيل: السور بلغة الحبشة: الطعام، لكن العرب تكلمت بها فصارت من كلامها، وأما السؤر بالهمزة فهو: بقية من ماء أو طعام أو غير ذلك، وليس المراد ههنا إلا الأول.
ذكر رجاله وهم خمسة: الأول: عمرو بن علي بن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي. الثاني: أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل البصري. الثالث: حنظلة بن سفيان الجمحي القرشي، من أهل مكة واسم أبي حنظلة: الأسود بن عبد الرحمن. الرابع: سعيد بن ميناء، بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالنون مقصورا وممدودا، أبو الوليد المكي. الخامس: جابر بن عبد الله.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في المغازي عن عمرو بن علي أيضا، وأخرجه مسلم في الأطعمة عن حجاج بن الشاعر.
قوله: (ذبحنا بهيمة)، قال الداودي: البهيمة من الأنعام، وقال ابن فارس: البهم صغار الغنم. قلت: البهم، بفتح الباء جمع بهمة، وهي ولد الضان الذكر والأنثى، وجمع البهم: بهام. قوله: (فتعال)، صيغة أمر يخاطب به جابر النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (ونفر) أي: مع نفر. قوله: (فحي هلا بكم)، مركب من: حي وهل، وقد يبنى على الفتح، وقد يقال: حيهلا، بالتنوين، وحيهلا بلا تنوين، وعليها الرواية أي: عليكم بكذا، أو أدعوكم، أو اقبلوا، أو أسرعوا بأنفسكم. وجاء: حيهل بسكون اللام، وحيهل بسكون الهاء وفتح اللام مع الألف وبدون الألف، وحيهلا بسكون الهاء وبالتنوين، وجاء معديا بنفسه، وبالباء، وبالى
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»